والثالث : ذكر أنه تعالى عليم بما ينفقه الإنسان من الخير ، ومقداره ، وكيفية جهاته المؤثرة في ترتب الثواب ، فأتى بالوصف المطلع على ذلك وهو : العلم.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) قال أبو ذر ، وأبو الدرداء ، وابن عباس ، وأبو أمامة ، وعبد الله بن بشر الغافقي ، ومكحول ، ورباح بن بريد ، والأوزاعي : هي في علف الخيل المرتبطة في سبيل الله ، ومرتبطها. وكان أبو هريرة إذا مر بفرس سمين قرأ هذه الآية.
وقال ابن عباس أيضا ، والكلبي : نزلت في علي ، كانت عنده أربعة دراهم ، قال الكلبي ، لم يملك غيرها ، فتصدّق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية.
وقال ابن عباس أيضا : نزلت في عليّ بعث بوسق تمر إلى أهل الصفة ليلا ، وفي عبد الرحمن بن عوف بعث إليهم بدراهم كثيرة نهارا.
وقال قتادة : نزلت في المنفقين من غير تبذير ولا تقتير. انتهى. وقيل : نزلت في أبي بكر ، تصدق بأربعين ألف دينار : عشرة بالليل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة في السر ، وعشرة في الجهر.
والآية ، وإن نزلت على سبب خاص ، فهي عامة في جميع ما دلت عليه ألفاظ الآية ، والمعنى أنهم ، فيما قال الزمخشري : يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير ، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ، ولم يؤخروه ، ولم يتعللوا بوقت ولا حال. انتهى.
ولم يبين في هذه الآية أفضلية الصدقة في أحد الزمانين ، ولا في إحدى الحالتين اعتمادا على الآية قبلها ، وهي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) أو جاء تفصيلا على حسب الواقع من صدقة أبي بكر ، وصدقة علي ، وقد يقال : إن تقديم الليل على النهار ، والسر على العلانية يدل على تلك الأفضلية ، والليل مظنة صدقة السر ، فقدم الوقت الذي كانت الصدقة فيه أفضل ، والحال التي كانت فيها أفضل.