خلاف. البصريون يجيزون ذلك فيقولون : عجبت من ضرب زيد عمرا. والفراء يقول : لا يجوز ذلك ، بل إذا نون المصدر لم يجىء بعده فاعل مرفوع. والصحيح مذهب الفراء ، وليس للبصريين حجة على إثبات دعواهم من السماع ، بل أثبتوا ذلك بالقياس على أن والفعل. فمنع هذا التوجيه الذي ذكروه ظاهر ، لأنا نقول : لا نسلم أنه مصدر ينحل لأن والفعل ، فيكون عاملا. سلمنا ، لكن لا نسلم أن للمجرور بعده موضعا. سلمنا ، لكن لا نسلم أنه يجوز العطف عليه. وتتخرج هذه القراءة على وجوه غير الوجه الذي ذكروه. أولاها : أنه على إضمار فعل لما لم يمكن العطف ، التقدير : وتلعنهم الملائكة ، كما خرج سيبويه في : هذا ضارب زيد وعمرا : أنه على إضمار فعل : ويضرب عمرا. الثاني : أنه معطوف على لعنة الله على حذف مضاف ، أي لعنة الله ولعنة الملائكة ، فلما حذف المضاف أعرب المضاف إليه بإعرابه نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١). الثالث : أن يكون مبتدأ حذف خبره لفهم المعنى ، أي والملائكة والناس أجمعون يلعنونهم. وظاهر قوله : والناس أجمعين العموم ، فقيل ذلك يكون في القيامة ، إذ يلعن بعضهم بعضا ، ويلعنهم الله والملائكة والمؤمنون ، فصار عاما ، وبه قال أبو العالية. وقيل : أراد بالناس من يعتد بلعنته ، وهم المؤمنون خاصة ، وبه قال ابن مسعود ، وقتادة ، والربيع ، ومقاتل. وقيل : الكافرون يلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون ، فيقولون : في الدنيا لعن الله الكافر ، فيتأتى العموم بهذا الاعتبار ، بدأ تعالى بنفسه ، وناهيك بذلك طردا وإبعادا. (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) (٢)؟ من لعنه الله ، فلعنة الله هي التي تجر لعنة الملائكة والناس. ألا ترى إلى قول بعض الصحابة : وما لي لا ألعن من لعنه الله على لسان رسوله؟ وكما روي عن أحمد ، أن ابنه سأله : هل يلعن؟ وذكر شخصا معينا. فقال لابنه : يا بني ، هل رأيتني ألعن شيئا قط؟ ثم قال : وما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه؟ قال فقلت : يا أبت ، وأين لعنة الله؟ قال : قال تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣). ثم ثنى بالملائكة ، لما في النفوس من عظم شأنهم وعلو منزلتهم وطهارتهم. ثم ثلث بالناس ، لأنهم من جنسهم ، فهو شاق عليهم ، لأن مفاجأة المماثل من يدعي المماثلة بالمكروه أشق ، بخلاف صدور ذلك من الأعلى.
(خالِدِينَ فِيها) : أي في اللعنة ، وهو الظاهر ، إذ لم يتقدم ما يعود عليها في اللفظ
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٨٢.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٦٠.
(٣) سورة هود : ١١ / ١٨.