وتقدم الكلام على إعراب الاسم بعد لا في قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) (١) ، والخبر محذوف ، وهو بدل من اسم لا على الموضع ، ولا يجوز أن يكون خبرا. كما جاز ذلك في قولك : زيد ما العالم إلا هو ، لأن لا لا تعمل في المعارف ، هذا إذا فرعنا على أن الخبر بعد لا التي يبنى الاسم معها هو مرفوع بها ، وأما إذا فرعنا على أن الخبر ليس مرفوعا بها ، بل هو خبر المبتدأ الذي هو لا مع المبني معها ، وهو مذهب سيبويه ، فلا يجوز أيضا ، لأنه يلزم من ذلك جعل المبتدأ نكرة ، والخبر معرفة ، وهو عكس ما استقر في اللسان العربي. وتقرير البدل فيه أيضا مشكل على قولهم : إنه بدل من إله ، لأنه لا يمكن أن يكون على تقدير تكرار العامل ، لا تقول : لا رجل إلا زيد. والذي يظهر لي فيه أنه ليس بدلا من إله ولا من رجل في قولك : لا رجل إلا زيد ، إنما هو بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف ، فإذا قلنا : لا رجل إلا زيد ، فالتقدير : لا رجل كائن أو موجود إلا زيد. كما تقول : ما أحد يقوم إلا زيد ، فزيد بدل من الضمير في يقوم لا من أحد ، وعلى هذا يتمشى ما ورد من هذا الباب ، فليس بدلا على موضع اسم لا ، وإنما هو بدل مرفوع من ضمير مرفوع ، ذلك الضمير هو عائد على اسم لا. ولولا تصريح النحويين أنه يدل على الموضع من اسم لا ، لتأوّلنا كلامهم على أنهم يريدون بقولهم بدل من اسم لا ، أي من الضمير العائد على اسم لا. قال بعضهم : وقد ذكر أن هو بدل من إله على المحل ، قال : ولا يجوز فيه النصب هاهنا ، لأن الرفع يدل على الاعتماد على الثاني ، والمعنى في الآية على ذلك ، والنصب على أن الاعتماد على الأول. انتهى كلامه. ولا فرق في المعنى بين : ما قام القوم إلا زيد ، وإلا زيدا ، من حيث أن زيدا مستثنى من جهة المعنى. إلا أنهم فرقوا من حيث الإعراب ، فأعربوا ما كان تابعا لما قبله بدلا ، وأعربوا هذا منصوبا على الاستثناء ، غير أن الإتباع أولى للمشاكلة اللفظية ، والنصب جائز ، ولا نعلم في ذلك خلافا.
وقال في المنتخب : لما قال تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، أمكن أن يخطر ببال أحد أن يقول : هب أن إلهنا واحد ، فلعل إله غيرنا مغاير لإلهنا ، فلا جرم. أزال ذلك الوهم ببيان التوحيد المطلق فقال : لا إله إلا هو. فقوله : لا إله يقتضي النفي العام الشامل ، فإذا قال بعده : إلا الله ، أفاد التوحيد التامّ المطلق المحقق. ولا يجوز أن يكون في الكلام حذف ، كما يقوله النحويون ، والتقدير : لا إله لنا ، أو في الوجود ، إلا الله ، لأن هذا غير مطابق
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢.