قال ابن عطية : وهذا غير بين ، وإنما كان من الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يثبت تكليفا.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). لما ذكر المغفرة والتعذيب لمن يشاء ، عقب ذلك بذكر القدرة ، إذ ما ذكر جزء من متعلقات القدرة.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) سبب نزولها أنه لما نزل : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) الآية أشفقوا منها ، ثم تقرر الأمر على أن (قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (١) فرجعوا إلى التضرع والاستكانة ، فمدحهم الله وأثنى عليهم ، وقدّم ذلك بين يدي رفقه بهم ، وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم ، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر ، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى ، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من : ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والجلاء ، إذ (قالُوا : سَمِعْنا وَعَصَيْنا) (٢) وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله ، أعاذنا الله تعالى من نقمه. انتهى هذا ، وهو كلام ابن عطية.
وظهر بسبب النزول مناسبة هذه الآية لما قبلها ، ولما كان مفتتح هذه السورة بذكر الكتاب المنزل ، وأنه هدى للمتقين الموصوفين بما وصفوا به من الإيمان بالغيب ، وبما أنزل إلى الرسول وإلى من قبله ، كان مختتمها أيضا موافقا لمفتتحها.
وقد تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها يناسبها أواخرها ، بحيث لا يكاد ينخرم منها شيء ، وسأبين ذلك إن شاء الله في آخر كل سورة سورة ، وذلك من أبدع الفصاحة ، حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله ، وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم ، يكون أحدهم آخذا في شيء ، ثم يستطرد منه إلى شيء آخر ، ثم إلى آخر ، هكذا طويلا ، ثم يعود إلى ما كان آخذا فيه أولا. ومن أمعن النظر في ذلك سهل عليه مناسبة ما يظهر ببادئ النظم أنه لا مناسبة له ، فبين تعالى في آخر هذه السورة أن أولئك المؤمنين هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال المروزي : (آمَنَ الرَّسُولُ) قال الحسن ، ومجاهد ، وابن سيرين ، وابن عباس في رواية : أن هاتين الآيتين لم ينزل بهما جبريل ، وسمعهما صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج بلا واسطة ، والبقرة مدنية إلّا هاتين الآيتين.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٥ والنساء : ٤ / ٤٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٩٣.