الترتيب في قوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ) (١) وقيل : الكلام في عرفان الحق لذاته ، وعرفان الخير للعمل به واستكمال القوة النظرية بالعلم ، والقوة العملية يفعل الخيرات ، والأولى أشرف ، فبدىء بها ، وهو : الإيمان المذكور ، والثانية هي المشار إليها بقوله (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) وقيل : للإنسان مبدأ وحال ومعاد ، فالإيمان إشارة إلى المبدأ ، و : سمعنا وأطعنا إشارة إلى الحال ، و : غفرانك ، وما بعده إشارة إلى المعاد.
وقرأ حمزة ، والكسائي : وكتابه ، على التوحيد ، وباقي السبعة : وكتبه ، على الجمع. فمن وحد أراد كل مكتوب ، سمي المفعول بالمصدر ، كقولهم : نسج اليمن أي : منسوجه. قال أبو علي : معناه أن هذا الإفراد ليس كإفراد المصادر ، وإن أريد بها الكثير ، كقوله (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) (٢) ولكنه ، كما تفرد الأسماء التي يراد بها الكثرة ، نحو : كثر الدينار والدرهم ، ومجيئها بالألف واللام أكثر من مجيئها مضافة ، ومن الإضافة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٣) وفي الحديث : «منعت العراق درهمها وقفيزها». يراد به : الكثير ، كما يراد بما فيه لام التعريف. انتهى ملخصا. ومعناه إن المفرد المحلى بالألف واللام يعم أكثر من المفرد المضاف.
وقال الزمخشري : وقرأ ابن عباس : وكتابه ، يريد القرآن. أو الجنس ، وعنه : الكتاب أكثر من الكتب. فإن قلت : كيف يكون الواحد أكثر من الجمع؟.
قلت : لأنه إذا أريد بالواحد الجنس ، والجنسية ، قائمة في وحدان الجنس كلها ، لم يخرج منه شيء ، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلّا ما فيه الجنسية من الجموع. انتهى كلامه. وليس كما ذكر ، لأن الجمع إذا أضيف أو دخلته الألف واللام الجنسية صار عاما ، ودلالة العام دلالة على كل فرد فرد ، فلو قال : أعتقت عبيدي ، يشمل ذلك كل عبد عبد ، ودلالة الجمع أظهر في العموم من الواحد ، سواء كانت فيه الألف واللام أم الإضافة ، بل لا يذهب إلى العموم في الواحد إلّا بقرينة لفظية ، كأن يستثني منه ، أو يوصف بالجمع ، نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) (٤) و : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض ، أو قرينة معنوية نحو : نية المؤمن أبلغ من عمله ، وأقصى حاله أن يكون مثل الجمع العام إذا
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٥ ، والنساء : ٤ / ٤٦.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٤.
(٣) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٤.
(٤) سورة العصر : ١٠٣ / ٢ و ٣.