للمصدر بالفتح ، وللمكان والزمان نحو : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (١) أي : عيشا ، فيكون : المحيض بمعنى الحيض ، والمصير بمعنى الصيرورة ، على هذا شاذا. وذهب بعضهم إلى التخيير في المصدر بين أن تبنيه على مفعل بكسر العين ، أو : مفعل بفتحها ، وأما الزمان والمكان فبالكسر. ذهب إلى ذلك الزجاج ، ورده عليه أبو عليّ ، وذهب بعضهم إلى الاقتصار على السماع ، فحيث بنت العرب المصدر على مفعل أو مفعل أو مفعل اتبعناه ، وهذا المذهب أحوط.
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ظاهره أنه استئناف ، خبر من الله تعالى أخبر به أنه لا يكلف العباد من أفعال القلوب والجوارح إلّا ما هو في وسع المكلف ، ومقتضى إدراكه وبنيته ، وانجلى بهذا أمر الخواطر الذي تأوله المسلمون في قوله : (إِنْ تُبْدُوا) الآية ، وظهر تأويل من يقول : إنه لا يصح تكليف ما لا يطاق ، وهذه الآية نظير. (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢) (وما جعل عليكم في الدّين من حرج) (٣) (فاتقوا الله ما استطعتم) (٤).
وقال الزمخشري : أي ما يكلفها إلّا ما يتسع فيه طوقها ، ويتيسر عليها دون مدى الطاقة والمجهود ، وهذا اخبار عن عدله ورحمته ، لقوله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢) لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس ، ويصوم أكثر من الشهر ، ويحج أكثر من حجة. وقيل : هذا من كلام الرسول والمؤمنين ، أي : وقالوا (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) والمعنى : أنهم لما قالوا (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) قالوا : كيف لا نسمع ذلك ، ولا نطيع؟ وهو تعالى لا يكلفنا إلّا ما في وسعنا؟ والوسع دون المجهود في المشقة ، وهو ما يتسع له قدرة الإنسان.
وانتصابه على أنه مفعول ثان ليكلف. وقال ابن عطية : يكلف ، يتعدّى إلى مفعولين. أحدهما محذوف تقديره : عبادة أو شيئا. انتهى. فإن عنى أن أصله كذا ، فهو صحيح ، لأن قوله : إلّا وسعها ، استثناء مفرغ من المفعول الثاني ، وإن عنى أنه محذوف في الصناعة ، فليس كذلك. بل الثاني هو وسعها ، نحو : ما أعطيت زيدا إلّا درهما ، ونحو : ما ضربت إلّا
__________________
(١) سورة النبأ : ٧٨ / ١١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٨٥.