السفهاء من الناس ، وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فقال الله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) الآية. ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أن اليهود والنصارى قالوا : إن إبراهيم ، ومن ذكر معه ، كانوا يهودا ونصارى. ذكروا ذلك طعنا في الإسلام ، لأن النسخ عند اليهود باطل ، فقالوا : الانتقال عن قبلتنا باطل وسفه ، فرد الله تعالى ذلك عليهم بقوله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) الآية ، فبين ما كان هداية ، وما كان سفها. وسيقول ، ظاهر في الاستقبال ، وأنه إخبار من الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، أنه يصدر منهم هذا القول في المستقبل ، وذلك قبل أن يؤمروا باستقبال الكعبة ، وتكون هذه الآية متقدمة في النزول على الآية المتضمنة الأمر باستقبال الكعبة ، فتكون من باب الإخبار بالشيء قبل وقوعه ، ليكون ذلك معجزا ، إذ هو إخبار بالغيب. ولتتوطن النفس على ما يرد من الأعداء ، وتستعد له ، فيكون أقل تأثيرا منه إذا فاجأ ، ولم يتقدم به علم ، وليكون الجواب مستعدا لمنكر ذلك ، وهو قوله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ). وإلى هذا القول ذهب الزمخشري وغيره. وذهب قوم إلى أنها متقدمة في التلاوة ، متأخرة في النزول ، وأنه نزل قوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) الآية ، ثم نزل : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ). نص على ذلك ابن عباس وغيره. ويدل على هذا ويصححه حديث البراء المتقدم ، الذي خرجه البخاري. وإذا كان كذلك ، فمعنى قوله : سيقول ، أنهم مستمرون على هذا القول ، وإن كانوا قد قالوه ، فحكمة الاستقبال أنهم ، كما صدر عنهم هذا القول في الماضي ، فهم أيضا يقولونه في المستقبل. وليس عندنا من وضع المستقبل موضع الماضي. وإن معنى سيقول : قال ، كما زعم بعضهم ، لأن ذلك لا يتأتى مع السين لبعد المجاز فيه. ولو كان عاريا من السين ، لقرب ذلك وكان يكون حكاية حال ماضية. والسفهاء : اليهود ، قاله البراء بن عازب ، ومجاهد ، وابن جبير. وأهل مكة قالوا : اشتاق محمد إلى مولده ، وعن قريب يرجع إلى دينكم ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، واختاره الزجاج. أو المنافقون قالوا : ذلك استهزاء بالمسلمين ، ذكره السدي ، عن ابن مسعود. وقد جرى تسمية المنافقين بالسفهاء في قوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) (١) ، أو الطوائف الثلاث الذين تقدم ذكرهم من الناس. قال ابن عطية وغيره : وخص بقوله من الناس ، لأن السفه أصله الخفة ، يوصف به الجماد. قالوا : ثوب سفيه ، أي خفيف النسج والهلهلة ، ورمح سفيه : أي خفيف سريع النفوذ. ويوصف به الحيوانات غير الناس ، فلو اقتصر ، لاحتمل الناس وغيرهم ، لأن القول ينسب إلى الناس حقيقة ، وإلى غيرهم مجازا ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣.