ثالثا : ما ذكر من أن اللام في (وَلِيَدْخُلُوا) تدل على أن الدخول سيتأخر عن الجوس خلال الديار ، وأن التفريق بين الجوس خلال الديار ، ودخول المسجد ، يدل على ذلك أيضا ، وكذا عدم ذكر الدخول للمسجد في المرة الأولى.
إن هذا الذي ذكر ، لا يدل على ذلك ؛ لأن ظاهر الآيات : أنه قد اكتفى في المرة الأولى عن ذكر دخول المسجد ، بذكر الجوس خلال الديار ، لأنه مستبطن له ويكون في ضمنه ، ثم أوضحه بقوله : (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقوله : (وَلِيَدْخُلُوا) معطوف على (لِيَسُوؤُا) بالواو ، التي لا تدل على الترتيب الزماني.
بل لعل ذكر دخول المسجد بين التتبير لما علوا ، وبين سوء الوجوه للإشارة إلى أن دخول المسجد سيكون في وسط المعركة في المرة الثانية ، وكذلك سيكون في المرة الأولى لقوله تعالى : (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
وإلا ، فلو صح ما ذكره صاحب هذا الرأي ، لوجب أن يكون الدخول الثاني للمسجد صلحا ، لا عنوة ، كما كان دخول عمر بن الخطاب في السابق ، وحينئذ فلا يبقى معنى لذكر دخول المسجد فيما بين قوله : (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) ، وبين قوله : (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً).
ثالثا : إنه لم يكن لليهود في زمن النبي «صلى الله عليه وآله» فساد في الأرض ، وعلو كبير فيها ، وإنما كانوا في محيط ضيق جدا محصورين في نواحي المدينة ، وكانوا مقهورين من قبل الأوس والخزرج ، ويمالئون مشركي مكة ، وسائر القبائل في المنطقة ، فلا يصح أن يقال : إن لهم (عُلُوًّا كَبِيراً*).
فضلا عن إضافة قوله : (فِي الْأَرْضِ*) سواء قلنا : إن المراد : الأرض