من قرية بطرت معيشتها ، فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم.
بل ربما كان ذلك هو سبب هلاكهم في الدنيا ، حيث ينشأ عنه المنازعات والاستكبار ، وغير ذلك من انحرافات مدمرة للمجتمعات وللأمم ، إن لم يكن ثمة ضوابط وروادع معينة تجعل كل تلك الإمكانات في مجراها الصحيح ، وفي الجهة النافعة للفرد وللمجتمع ، حاضرا ومستقبلا. على أن الأمر لله تعالى فليس لأحد أن يتمرد عليه ، ويخرج على أوامره ، فإنه يعرض نفسه والحالة هذه إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ، ثم ضرب لهم مثالا بقارون ، الذي كان لديه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، فلما استكبر وطغى ، وتمرد على أوامر الله ، خسف الله به وبداره الأرض.
وفي آيات السورة ـ سورة القصص ـ دقائق عجيبة ومعان رائعة في هذا المجال ، تحتاج إلى دراسة مستقلة ومعمقة ، لا مجال لها هنا.
ونكتفي هنا بهذه الإشارة الإجمالية إليها ، والله هو الموفق والمعين.
ماذا بعد فشل المفاوضات؟
وبعد فشل المفاوضات ، فقد ظهر لأبي طالب : أن السيل قد بلغ الزبى ، وأنه على وشك الدخول في صراع مكشوف مع المشركين ، فلا بد من الحذر والاحتياط للأمر ؛ فجمع بني هاشم ، وبني المطلب ، ودعاهم إلى منع الرسول ، والقيام دونه ، فأجابوه ، وقاموا معه ، باستثناء أبي لهب لعنه الله تعالى ، ومنع الله عز وجل رسوله ، فلم يكن لهم إلى أن يضروه في شعره وبشره سبيل ، غير أنهم يرمونه بالجنون ، والسحر ، والكهانة ، والشعر ، والقرآن ينزل عليه «صلى الله عليه وآله» بتكذيبهم.