ولكن نفس أولئك يقولون : إنها قد ولدت بعد البعثة بخمس سنين (١) ، فكيف تكونان قد أسلمتا بعد ثمانية عشر إنسانا؟ مع أن الفترة السرية أو فقل الدعوة الإختيارية ، وعدم الإعلان ، قد انتهت بإسلام أربعين؟!
وأما جلساؤه وأهل بيته فقد تكلمنا عنهم ، ولم يبق إلا ولده محمد ، وهو إنما ولد بعد مبعث النبي «صلى الله عليه وآله» بثلاث وعشرين سنة ، أي قبل وفاته «صلى الله عليه وآله» بقليل.
سر التأكيد على دور أبي بكر :
وأما سر التأكيد على دور أبي بكر فقد أوضحه لنا الجاحظ ، حين قال :
«ولذلك قالوا : إن من أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممن أسلموا بالسيف ، ولم يذهبوا في ذلك إلى العدد ، بل عنوا الكثرة في القدر ، لأنه أسلم على يديه خمسة من أهل الشورى ، كلهم يصلح للخلافة ، وهم أكفاء علي «عليه السلام» ومنازعوه في الرياسة والإمامة ، فهؤلاء أكثر من جميع الناس» (٢).
نعم يا جاحظ : لقد تجاوز أبو بكر كل التوقعات ، حتى لقد بزّ النبي نفسه ، ولم يستطع وهو الرسول الأعظم أن يجاريه في تلك الفضائل المجعولة ـ كما قدمنا ـ ولا ندري لماذا غلط جبرئيل ونزل عليه دونه!.
وحسبنا هنا ما ذكرناه حول هذا الموضوع ؛ فإن استقصاء الكلام فيه يحتاج إلى جهد مضن ووقت طويل.
__________________
(١) سيأتي بعض الكلام في ذلك ، في فصل : حتى بيعة العقبة.
(٢) العثمانية للجاحظ ص ٣١ ـ ٣٢ وشرح النهج ج ١٣ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.