تبقى لديهم من تعاليم السيد المسيح «عليه السلام» كما ربما يستفاد مما جرى لجعفر مع ملك الحبشة في أمر عيسى ، فيمكن لهؤلاء الثلة من المسلمين المهاجرين أن يعيشوا مع هؤلاء الناس ، وأن يتعاملوا معهم ، لا سيما وأنها بلاد لم يكن فيها من الانحرافات والأفكار والشبهات ما كان في بلاد الروم والفرس ، التي كانت قد لوثتها المفاهيم والنظريات اللاإنسانية ، والأديان المنحرفة إلى حد بعيد ، ولم تتعرض بلاد الحبشة لمثل ذلك ، فلم تنشأ فيها أديان ، ولا كان فيها علماء وفلاسفة بالمستوى الذي كان في دولتي الروم والفرس فكانت أقرب إلى الفطرة والحق من غيرها.
ولكن هيمنة الفطرة على بلاد الحبشة ليس معناه خلو تلك البلاد عن أي انحراف ، فإن وجود الانحراف فيها أمر طبيعي ، بل إن ذلك على حد قولهم : أهل البلد الفلاني مؤمنون ، أو شجعان ، أو كرماء ، فإن ذلك لا يمنع وجود البخيل والكافر أو الفاسق والجبان فيها.
ومن الواضح : أن المسلمين لو هاجروا إلى بلاد لا تهيمن عليها الفطرة ، وكان لها ملك لا يأبى عن الظلم فلسوف تصعب عليهم الحياة والاستمرار فيها ، ولم يكن لهجرتهم من بلادهم كبير فائدة ، ولا جليل أثر.
الهجرة إلى الحبشة :
وهاجر المسلمون بأمر من رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الحبشة ، ذهبوا إليها إرسالا على حسب رواية أم سلمة ، (١) ويقال : إنه سافر أولا
__________________
(١) السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١٧ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٧٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٩٠ عن الصفوة والمنتقى.