وقد ابتلي جعفر أيضا بمثل هذا الإجحاف في حقه في مورد آخر ، وهو كونه الأمير الأول في غزوة مؤته ، فإن لهم اهتماما خاصا في إبعاد جعفر عن هذا المقام والتأكيد على أن الأمير الأول هو زيد بن حارثة «رحمه الله» كل ذلك من أجل أخوته لعلي «عليه السلام» وقرابته منه (١).
قريش وخططها المستقبلية :
حقا لقد كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة ضربة قاسية لقريش ، أفقدتها صوابها ، وزعزعت وجودها وكيانها ؛ فحاولت أن تتدارك الأمر ، فلحقت بهم بهدف إرجاعهم وإبقائهم تحت سلطتها ، ولكن بعد فوات الأوان.
وكان أن اضطرت قريش للمرة الأولى لمراجعة حساباتها من جديد ، بعد أن أدركت : أن زمام المبادرة لم يعد بيدها ؛ وذلك لأنها :
١ ـ أدركت أن الاستمرار في تعذيب المسلمين ، الذين أصبحوا متفرقين في مختلف القبائل ، لم يعد له كبير جدوى ولا جليل أثر ، إن لم يكن سببا في إثارة حرب داخلية ، تكون عواقبها السيئة على سمعتها وكرامتها كبيرة وخطيرة ، حينما لا توافق كل قبيلة على التصفية الجسدية للمنتمين إليها ، للمنطق القبلي الذي ما زالوا يتعاملون على أساسه ، حتى في مواقفهم من هذا الدين الجديد ، ومناهضتهم لمحمد «صلى الله عليه وآله» ، ودعوته ، رغم إجماعهم على العداء له ولها.
ويكفي أن نشير هنا إلى أنهم قد قرروا : أن تتولى كل قبيلة تعذيب الذين ينتسبون إليها!!.
__________________
(١) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ، الجزء الأول ، بحث : من هو الأمير الأول في غزوة مؤته.