٢ ـ لقد رأت قريش : أن محمدا «صلى الله عليه وآله» يريد أن تكون دعوته إنسانية عالمية ، لا تختص بعرب مكة والحجاز وأدركت أن هجرة هؤلاء إلى الحبشة لم تكن متمحضة في الهروب من التعذيب ، لأن الكثيرين من أولئك المهاجرين لم يكن ممن يعذب.
هذا عدا عن أنهم يمثلون مختلف القبائل المكية أيضا ، ويمثلون رصيدا يملكه الإسلام والمسلمون ، ويدّخرونه للوقت المناسب ، وأصبح واضحا لكل أحد : أن القضاء على مسلمي مكة لا يعني القضاء على الإسلام.
٣ ـ وترى كذلك : أن معنى هجرة المسلمين هذه ، وخروجهم من تحت سلطتها ، هو أنها سوف تكون أمام مواجهة شاملة ، وأن مصالحها في معرض التهديد والبوار ، وقد رأت أن أبا ذر بإقامته بعسفان على طريق القوافل ، وكلما أقبلت عير لقريش احتجزها حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وظل على ذلك إلى ما بعد حرب أحد ، قد ضايقها تلك المضايقة الشديدة مع العلم بأن القضاء على حركته ربما يكون أسهل وأيسر ، لأنه في منطقتها ، ويمكن تطويقه ، والحد من نشاطه بسرعة ؛ لأنه بين أمة كلها تدين لقريش بالولاء ، وتقول بمقالتها ، كما أنهم ينظرون إليه على أنه غريب ومعتد.
إذن فإن وجود المسلمين ، وهم من قريش في الصميم في منطقة بعيدة عن نفوذ القرشيين وسلطانهم ، وفي ملجأ أمين ، ومنطلق مطمئن ، ليشكل أعظم الأخطار على قريش ومصالحها ، الأمر الذي يحتم عليها التريث والصبر ، وإحكام التدبير ، لا سيما وأنها لا تجد إلى تصفية النبي «صلى الله عليه وآله» جسديا حيلة ، ولا إلى إسكاته سبيلا ، ما دام في حماية شيخ الأبطح ، أبي طالب