خوض حرب تؤدي إلى قتله وجميع من معه من أهل وأحبة ، فإن هذا لا يصح في منطق المصالح الدنيوية بأية صورة على الإطلاق.
٥ ـ وأيضا ، فإن الحمية القبلية ـ لو كانت ـ فإنما تؤثر أثرها في حدود مصالح القبيلة ، والحفاظ على شؤونها ، ومستقبلها أما إذا كانت هذه الحمية سببا في تدمير القبيلة والقضاء عليها ، وتعطيل مصالحها ، وتعريض مستقبلها للأخطار الجسام ؛ فإن هذه الحمية لا يمكن أن يفسح لها المجال ، ولا أن يظهر لها أثر لدى عقلاء الرجال.
وهكذا يتضح : أننا لا يمكن أن نفسر مواقف أبي طالب «عليه السلام» تلك ، إلا على أنها بدافع عقيدي وإيماني راسخ ، يدفع الإنسان للبذل والعطاء ، لكل ما يملك في سبيل دينه وعقيدته.
فصلوات الله وسلامه عليك يا أبا طالب ، يا أبا الرجال ، ويا رائد قوافل التضحية والفداء ، في سبيل الحق والدين ، ورحمة الله وبركاته.
عام الحزن :
وفي السنة العاشرة من البعثة كانت وفاة الرجل العظيم ، أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، ففقد النبي «صلى الله عليه وآله» بفقده نصيرا قويا ، وعزيزا وفيا ، كان هو الحامي له ، والدافع عنه ، وعن دينه ، ورسالته ، كما أشرنا إليه.
ثم توفيت بعده بمدة وجيزة ـ قيل : بثلاثة أيام ، وقيل بعده بحوالي شهر (١) خديجة أم المؤمنين صلوات الله وسلامه عليها ، أفضل أزواج النبي
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٤٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١٣٢ البداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٧ والتنبيه والإشراف ص ٢٠٠.