محاولة قريش اليائسة :
وبعد أن صحا مشركو مكة من عنف الصدمة ، «ورأت قريش استقرارهم في الحبشة وأمنهم» ، على حد تعبير البعض (١) ائتمرت فيما بينها ، وقررت إرسال رجلين من قبلها إلى الحبشة لاسترداد المهاجرين ، ووقع اختيارهم على عمرو بن العاص ، ويقال : وعلى عمارة بن الوليد أيضا ، فأرسلوهما إلى النجاشي بهدايا له ولبطارقته ، «وجرى بين عمارة وعمرو بن العاص في الطريق شيء مثير ، يرتبط بالعلاقة بين عمارة وزوجة عمرو فاحتملها له عمرو ليكيده في الوقت المناسب ..» (٢) وادعيا أمام النجاشي : أنه «قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دينهم ، ولم يدخلوا في دينك.
وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم ، وأعمامهم ، وعشائرهم لتردهم إليهم الخ ..».
فرفض تسليمهم إليهم حتى يسألهم عن صحة ما جاء به عمرو وعمارة ، فجاء المسلمون ؛ فسألهم فقال جعفر : «أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل منا القوي الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ؛ فدعانا إلى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه ، من الحجارة والأوثان.
__________________
(١) سيرة مغلطاي ص ٢٢.
(٢) ذكرنا ذلك في كتابنا ظلامة أبي طالب ، الفصل الأول فراجع.