وذلك لا يصح ، لأن خروجهم كان سرا ، متسللين ، منهم الراكب ، ومنهم الماشي ، حتى انتهوا إلى البحر فوجدوا سفينة فأقلتهم فخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر ، فلم يجدوا أحدا منهم (١).
هذا كله ، عدا عن شدة عمر وغلظته ، التي تدعى له قبل وبعد الهجرة إلى الحبشة على من أسلم ، وتعذيبه لمن قدر عليه منهم ، فإن ذلك لا يتناسب مع ما يقال عنه هنا.
هجرة أبي بكر لا تصح :
ويقولون : إنه حين اشتد البلاء على بقية من بمكة من المسلمين ، وضاقت مكة على أبي بكر ، وأصابه فيها الأذى ، خرج حين حصر المسلمون في الشعب مهاجرا إلى الحبشة ، فلما وصل إلى برك الغماد ـ موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن ـ لقيه ابن الدغنة ، سيد قبيلة «القارة» ، وكانوا حلفاء لبني زهرة من قريش ، فقال له :
أين تريد يا أبا بكر؟ فقال : أخرجني قومي ؛ فأريد أن أسيح في الأرض ، وأعبد ربي ، فقال ابن الدغنة : مثلك يا أبا بكر لا يخرج ؛ إنك تكسب المعدوم إلى أن قال : فارجع فأنا لك جار فرجع ، ورجع معه ابن الدغنة ، فطاف عشية في أشراف قريش ، وأعلمهم بأنه أجاره ، فأجازوا جواره بشرط : أن يعبد ربه في داره ، ولا يستعلن.
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٤ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٨٨ و ٢٨٩ عن المنتقى والطبري ج ٢ ص ٦٩ وراجع البدء والتاريخ ج ٤ ص ١٤٩ ، وإعلام الورى ص ٤٣ واليعقوبي ج ٢ ص ٢٩ وزاد المعاد لابن القيم ج ٢ ص ٤٤.