٢ ـ لقد أدرك أولئك المتجبرون ، مما عرفوه من طبيعة الدعوة وأهدافها : أنهم سوف لن يتمكنوا في ظلها من الاحتفاظ بتلك الامتيازات الظالمة ، التي جعلوها لأنفسهم ؛ والتي كان يرفضها النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، ويؤكد على أن الناس كلهم سواسية أمام عدالة السماء ، وفي ميزان الحكم والقضاء.
وسوف لن يتمكنوا أيضا في ظل هذا الدين الجديد ، الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ؛ من الاستمرار في ممارساتهم اللاأخلاقية ، واللاإنسانية أيضا ، والتي كانوا يحرصون عليها كل الحرص ، أكثر من حرصهم على آلهتهم التي كانوا يدعون إنهم يحافظون عليها ، مع أننا رأينا بعض العرب يأكل إلهه الذي صنعه من الحيس حين جاع!! (١).
٣ ـ ما أشارت إليه الآية الكريمة : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا)(٢) أي إنهم اعتذروا عن عدم إيمانهم : بأنهم إن آمنوا فإن العرب المشركين سوف لا يرضون بإيمانهم ، ورفض أوثانهم ، فرد عليهم القرآن ، فقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا)(٣) ، فلا موجب إذن لخوفهم هذا.
مع أن اختيارهم الشرك خوفا من ذلك لا يمنع ذلك ؛ فكم أهلك الله
__________________
(١) الأعلاق النفيسة : ص ٢١٧ ، والحيس : هو تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد. مجمع البحرين : ج ٤ ص ٦٤.
(٢) الآية ٥٧ من سورة القصص.
(٣) الآية ٥٧ من سورة القصص.