في مورد واحد مثلا ، فلربما يمكن الاعتذار عن ذلك بأن من الممكن وقوع الاشتباه غير العمدي من أحد النقلة.
ولكن الأمر هنا أبعد من ذلك ، فإن التناقض والاختلاف إن لم يكن في كل ما تضمنته تلك الروايات من نقاط ، ففي جلها مما يعني أن ثمة تعمدا للوضع والجعل ، وقديما قيل : «لا حافظة لكذوب».
هذا كله ، مع غض النظر عن المناقضة بين هذه الروايات وبين الرواية التي يذكرها البخاري نفسه في أول كتابه بعد هذه الرواية مباشرة من أن أول ما نزل عليه «صلى الله عليه وآله» هو سورة المدثر ، ويلاحظ أنه ليس في تلك الرواية ذكر لأي شيء من تلك الأمور الغريبة والعجيبة التي تضمنتها رواية عائشة السابقة عليها ؛ فإن عدم ذكرها لشيء من ذلك يورث الشك والريب ، ويثير أكثر من سؤال عن السبب في إهمال التعرض لذلك.
ثالثا : إن رواية الصحاح ، بل وسائر الروايات تذكر :
أن جبرئيل قد أخذ النبي «صلى الله عليه وآله» فغطه ، أي عصره وحبس نفسه أو خنقه حتى بلغ منه الجهد ، أو حتى ظن أنه الموت ، ثم أرسله ، وأمره بالقراءة ؛ فأخبره النبي «صلى الله عليه وآله» : أنه لا يعرفها ، فلم يقنع منه ، بل عاد فغطه ، ثم أرسله ، وهكذا ثلاث مرات.
ولنا على هذا الكلام العديد من الأسئلة.
فإننا لا نعرف ما هو المبرر لذلك كله؟
وكيف جاز لجبرئيل أن يروع النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وأن يؤذيه بالعصر والخنق ، إلى حد أنه «صلى الله عليه وآله» يظن أنه الموت ، يفعل به ذلك ، وهو يراه عاجزا عن القيام بما يأمره به ولا يرحمه ، ولا يلين له!!