ولكن لا ، فقد شاءت العناية الإلهية أن تسير الأمور على سجيتها ، وعلى وفق أسبابها الطبيعية ، مع تسديدات وعنايات تشمل الأمور الخارجة عن حدود الطاقة ، وليكون ذلك مثلا لنا جميعا ودرسا مؤثرا في الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة ، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من السماء ، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب ، ولا تكرم عليه بها إلا بعد أن رأى منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها ، فاستحق اللطف الإلهي ، وتحقق مصداق قوله تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)(١) و (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ)(٢).
وأما السبب في أنه تعالى لم يخطط لنبيه على أساس التدخل المباشر ، والإعجاز : هو أنه حين يرتبط الأمر بحرية اختيار الناس لأعمالهم فلا بد من الحذر من أن يفهم الأمر بطريقة خاطئة ، وهو أنهم مسلوبو الاختيار ، وأن لا قدرة لهم على التصرف ؛ ولأجل ذلك فإن التدخل الإلهي يقتصر على ما يكون من خارج دائرة اختيارهم ، فهم قد فعلوا كل ما خطر في بالهم ، فلم يمنع أعينهم من النظر والرؤية ، ولا أصم آذانهم عن السمع ، ولا منع لسانهم من الحركة ، والتفاهم ، ولا شل حركة أيديهم عن حمل السلاح ، ولا أقعدهم عن المشي في أي اتجاه أحبوا.
بل تصرف خارج دائرة اختيارهم ، فخلق الشجرة التي تحتاج في الحالات الطبيعية إلى سنوات ، ونسجت العنكبوت ـ التي يستغرق نسجها
__________________
(١) الآية ٤٠ من سورة الحج.
(٢) الآية ٧ من سورة محمد.