ذلك فضيلة له ، بل فيه إخبار بأن الله ينجيهم من أيدي أعدائهم ، ولسوف ينجي الله أبا بكر مقدمة لنجاة نبيه ، ما دام أن هذا متوقف على ذاك.
وهذا نظير ما أشارت إليه الآية الكريمة التي تقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(١) إذن ، فنجاة المشركين من العذاب لأجل النبي ، أو لأجل وجود مؤمن مقيم فيما بينهم لا يوجب فضلا للمشركين.
٦ ـ إن هذا الحزن قد صدر منه ـ كما يقول المؤرخون ـ بعد ما رأى من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة ، التي توجب اليقين بأن الله يرد عن نبيه ، ويحفظه من أعدائه.
فهو قد عرف بخروجه من بين القوم ، وهم لا يرونه ، ورأى نسج العنكبوت على باب الغار ، ورأى الحمامة تبيض ، وتقف على باب الغار ، وغير ذلك ، كما أنه «صلى الله عليه وآله» كان يخبر المسلمين بأنه ستفتح على يديه كنوز كسرى وقيصر ، وأن الله سيظهر دينه ، وينصر نبيه ، فحزن أبي بكر في مقام كهذا لا يمكن أن يكون على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لأنه قد عرف بعد رؤيته لتلك الآيات أن الله سبحانه حافظ لنبيه ، فإن كان بعد كل هذا غير مصدق بحفظ الله لنبيه غير واثق بنصرته له مع رؤيته لكل هذه الآيات فسيكون أمره مريبا ، وفي غاية الغرابة ، ويكون حزنه معصية يجب أن يردع عنها ويمنع منها ، والنهي عنها مولوي ، وهو يكشف عن عدم رسوخ قدم له في معرفة جلال وعظمة الله ، ولا نقول أكثر من ذلك.
وإن كان أبو بكر على يقين من نصرة الله لنبيه ، لكنه حزن على نفسه ،
__________________
(١) الآية ٣٣ من سورة الأنفال.