فإن من الطبيعي أن لا تكون لأبي بكر ثروة من هذا القبيل لا خمسة آلاف ، ولا ستة آلاف ، فضلا عن أربعين ألف درهم أو دينار ؛ لأن مثل هذه الثروات إنما تجتمع لدى الإنسان من التجارة ، أو الزراعة ، لا من قبيل صناعات أبي بكر ؛ فكيف يقولون إذا : إنه كان سيدا من سادات قريش ، ومن ذوي المال والثروة والجاه فيها؟!
ولماذا يترك أباه عند ابن جدعان ، وهو بهذه الحالة فضلا عن ابنته أسماء؟!.
وإذا كانت ثروة أبي بكر في تلك الفترة في أربعة آلاف بل أكثر ، كما تقدم حين الكلام حول عتق بلال ؛ فإنه لا بد أن يكون أثرى رجل في مكة في تلك الفترة ، إذ قد ورد أنه بعد أن انتشر الإسلام ، وفتحت البلاد جاء أنس بن مالك بمال إلى عمر بعد موت أبي بكر ، فبايع عمر ، ثم أخبره بأنه قد جاء بأربعة آلاف وأعطاه إياها ، قال أنس : «فكنت أكثر أهل المدينة مالا» (١).
خامسا : إن أمير المؤمنين «عليه السلام» حينما تصدق بمال قليل جدا ـ كما في إطعامه المسكين ، واليتيم ، والأسير ـ قد نزلت فيه آية قرآنية وهي قوله
__________________
كون أبي بكر كان معلما ، على اعتبار أن جمع الأطفال في المكتب وتعليمهم أمر مستحدث ، ولم يكن معهودا في مكة في الجاهلية ويتساءل عن تلامذة أبي بكر من هم ، ولماذا لم يوجد في مكة سوى عدد ضئيل ممن كان يعرف القراءة والكتابة كما مر في أول الكتاب. بل لقد ذكر جرجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن : أنه لم يكن في مكة حين بعث النبي «صلى الله عليه وآله» سوى سبعة أشخاص يعرفون الكتابة.
(١) كنز العمال ج ٥ ص ٤٠٥ عن ابن سعد ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٣٥.