بل كان المسلمون في مكة ضعفاء مضطهدين ، معذبين ؛ فالمناسب أن يتقي المتقي ـ رغبا أو رهبا ـ من صناديد قريش وعظمائها ، لا منهم.
وأما في المدينة فقد قوي أمر النبي «صلى الله عليه وآله» وظهر أمر المسلمين ، وأصبحوا قوة يمكنها الدفع والمنع ، وكان له «صلى الله عليه وآله» في كل بيت أتباع وأنصار يطيعون أوامره ، ويفدونه بكل غال ونفيس ، والقلة القليلة الباقية لم يكن يسعهم الإعلان بالخلاف ؛ فداروا أمرهم بإظهار الإسلام ، وإبطان الكفر ـ على أن يكيدوا ويمكروا بالمسلمين ، كلما سنحت لهم الفرصة لذلك.
هكذا استدل البعض لإثبات عدم وجود منافقين بين المسلمين الأولين.
ولكنه كما ترى كلام لا يصح.
وذلك لأن النفاق في مكة كانت له أسبابه ، ومبرراته ، ومناخاته ، ونذكر هنا ما يلي :
أولا : إن أسباب النفاق لا تنحصر فيما ذكر ، من الرغبة والرهبة لذي الشوكة ومنه ، إذ أننا كثيرا ما نجد في المجتمعات فئات من الناس مستعدة لقبول أية دعوة ، إذا كانت ذات شعارات طيبة ، تنسجم مع أحلامهم وآمالهم ، وتعدهم بتحقيق رغائبهم ، وما تصبو إليه نفوسهم ، فيناصرونها ، رغم أنهم في ظل أعتى القوى وأشدها طغيانا ، وهم في غاية الضعف والوهن يعرضون أنفسهم لكثير من الأخطار ، ويحملون المشاق والمصاعب من أجلها وفي سبيلها.
كل ذلك رجاء أن يوفقوا يوما ما لتحقيق أهدافهم ، والوصول إلى مآربهم ، التي يحلمون بها ، كالعلو في الأرض ، والحصول على الثروات ،