وهذا هو الوجه الاول من القضية. والوجه الثاني كالوجه الأوّل في البداهة والوضوح في علاقة الله تعالىٰ بعبده.
فقد كان الوجه الأوّل يتلخص في علاقة العبد بالله في اضطراره إليه ولجوئه إلىٰ امنه ورحمته.
والوجه الآخر في علاقة الله تعالىٰ بعبده عند ما يحتمي بحماه وامنه ، ويستغيث برحمته ويهرب منه إليه ، ويستصرخ رحمته وفضله وهو يتعرض لعقوبته وانتقامه.
فهل يمكن أن يسمع الله تعالىٰ ، وهو ارحم الراحمين ، استغاثة عبد ساقه جهله وطيشه الیٰ نار جهنم ، يستغيثه ، ويستصرخه ، ويناديه بلسان أهل توحيده ، ويسأله النجاة من النار ، ويضج إليه ... فيتركه في عذابها يحرقه لهيبها ، ويشتمل عليه زفيرها ، ويتقلقل بين اطباقها ، وتزجره زبانيتها ، وهو تعالیٰ يعلم صدقه في حبه له ، وتوحيده له ، ولجوئه إليه ، واضطراره إليه.
فاستمع إليه :
« أفتراك سبحانك يا إلهي وبحمدك تسمع فيها صوت عبد مسلم سجن فيها بمخالفته ، وذاق طعم عذابها بمعصيته ، وحبس بين اطباقها بجرمه وجريرته ، وهو يضج اليك ضجيج مؤمل لرحمتك ، ويناديك بلسان أهل توحيدك ، ويتوسل اليك بربوبيتك ، يا مولاي فكيف يبقیٰ في العذاب ، وهو يرجو ما سلف من حلمك ، أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلك ورحمتك ، ام كيف يحرقه لهيبها وأنت تسمع صوته وتریٰ مكانه ، أم كيف يشتمل عليه زفيرها وأنت تعلم ضعفه ، أم كيف يتقلقل بين اطباقها وأنت تعلم صدقه ، أم كيف تزجره زبانيتها وهو يناديك يا ربه ، أم كيف يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه فيها ، هيهات ما ذلك الظن بك ، ولا المعروف من فضلك ، ولا مشبه لما عاملت به الموحدين من برك واحسانك ».