فإذا كان قد ارتكب ما يستحق العقوبة منهما ، وخافهما علىٰ نفسه ، نظر الىٰ يمينه ويساره فلم يجد من يلجأ إليه ، ولا من يهرب منه ، ولا من يجد عنده الأمن إلّا هما ، فيلجأ اليهما ويلقي بنفسه في احضانهما مستغيثاً بها ، وهما يريدان عقوبته ومؤاخذته.
وهذا المشهد من أكثر المشاهد التي تستدر عطف الوالدين وتكسبه حبهما وعطفهما.
والامام عليهالسلام في هذا الدعاء الشريف يشير الىٰ هذا المعنىٰ ، فهو قد تعلّم في اُفقه الواسع الكبير أن يلجأ الىٰ الله تعالىٰ في كلّ شيء ، وكلّما ألّمت به ملمة ، أو نابته نائبة ، أو داهمته مصيبة فزع الىٰ الله ولم يجد لحاجته قضاء ، ولا لما يلم به مفزعاً غير الله. وها هو يرىٰ العبد قد تعرّض لغضب الله تعالىٰ الذي يرجو رحمته ، ولعقوبة الله الذي يرجو الأمن من عنده.
فلا يرىٰ ، وقد تعرض العبد لعقوبة الله ملجأ له غير الله ، ولا مهرباً يهرب إليه غير الله تعالىٰ ، ولا من يحتمي به ويسأله غيره تعالىٰ.
فيضجّ إليه تعالىٰ وقد ساقه ملائكة العذاب الىٰ جهنم ، يطلب من الله الأمن ، ويعوذ برحمته من غضبه ، ويستغيثه ، ويستصرخه ، ويطلب الرحمة لنفسه منه تعالىٰ ، كالطفل الذي يتعرض لغضب والديه فلا يفر منهما إلّا اليهما ، ولا يجد من يحتمي به منهما إلّا هما.
ولنسمع الإمام عليهالسلام في هذه الكلمات الشفافة الرقيقة التي تعبر عن روح التوحيد والدعاء :
« فبعزتك يا سيدي ومولاي أقسم صادقاً لئن تركتني ناطقاً ، لأضجن اليك بين أهلها ضجيج الآملين ، ولأصرخن اليك صراخ المستصرخين ، ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين ولاُنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين ، يا غاية آمال العارفين ، يا غياث المستغيثين ، يا حبيب قلوب الصادقين ، ويا إله العالمين ».