وقد رزق الله تعالىٰ الإنسان اوعية كثيرة للمعرفة واليقين والحب ، ولكن « القلب » هو أعظم هذه الأواني جميعاً وأوعاها.
فإذا صفّیٰ الله تعالىٰ لعبده شرب قلبه ، وسقاه شراباً صافياً طهوراً ، كان عمله وكلامه وعطاؤه أيضاً صافياً ونقياً مثل شرابه.
فإنّ بين واردات القلب وصادراته تشابهاً ومسانحة. فإذا كانت واردات القلب نقية صافية ، من نمير نقي عذاب ، كانت صادرات القلب تشبهها ، فيكون فعل العبد ، وكلامه ، ورأيه ، وأخلاقه ، وموقفه ، وعطاؤه صافياً عذباً. وإذا كانت واردات القلب قذرة أو مشوبة بالقذارة مما يوحيه الشياطين إلىٰ أوليائهم ، كانت صادرات القلب لا محالة تشبهها من كذب ونفاق وشحّ وإعراض عن الله ورسوله.
عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ في القلب لمتين : لمّة من الملك ، وإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، ولمّة من العدو : إيعاد بالشر وتكذيب للحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، ومن وجد الآخر فليتعوّذ بالله من الشيطان ثم قرأ « الشّيطانُ يعِدُكم الفقرَ ، ويأمُركم بالفحشاءِ واللهُ يعِدكُم مغفرةً مِنهُ وفضلاً » (١).
ولمّة الملك هي الواردات الربّانية إلىٰ القلب. ولمّة الشيطان هي الواردات الشيطانية إلىٰ القلب.
أرأيت « النحل » إذا أخذ من رحيق الأزهار أعطىٰ الناس عسلاً حلواً شهياً ، فيه شفاء للناس ، وإذا أخذ طعامه من موارد غير صافية وغير نقية كان عطاؤه كذلك ، بطبيعة الحال.
يقول تعالىٰ عن خليله ونبيه إبراهيم واسحاق ويعقوب عليهماالسلام : ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ
__________________
(١) تفسير الميزان ٢ : ٤٠٤.