أمّا أولياء الله فلا يستسلمون للنوم ، وإنّما النوم عندهم حاجة يأخذون منه حظّهم. ولقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينام إلّا هنيّة حتىٰ يقوم بين يدي الله ، وكان يأمر أن يوضع وضوؤه عند رأسه ليقوم بين يدي الله ، كلّما أخذ نصيباً من هذه الحاجة الطبيعية.
ولقد كان يفرش له الفراش الوثير والمريح فيأمر برفعه لئلّا يستدرجه ذلك للاستسلام للنوم.
وكان ينام علىٰ الحصير الخشن حتىٰ أثّر الحصير في جنبه لكيلا يستغرق في النوم.
وقد أودع الله تعالىٰ في هدأة الليل من كنوز مناجاته وذكره وقربه ما ليس في النّهار ، ولليل رجال كما للنهار رجال ، يقومون إذا نام الناس ، وينشطون إذا خمل الناس ، ويعرجون إلىٰ الله إذا استسلم الناس للنوم وسقطوا علىٰ فراشهم.
ولليل دولة كما للنهار دولة ، وفي الليل كنوز كما في النهار كنوز. والناس يعرفون دولة النهار ورجاله وكنوزه ، وقليل من الناس من يعرف قيمة دولة الليل وكنوزه ورجاله. فإذا أخذ الانسان من دولتي الليل والنهار معاً كان سوياً راشداً متوازناً.
ولقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من رجال الليل والنهار معاً ، يأخذ من هذا وذاك بصورة متوازنة ، يأخذ من الليل الحب والاخلاص والذكر ، ويأخذ من النّهار القوة والسلطان والمال ، لتمكين الدعوة وترسيخها وكانت ناشئة الليل تعينه ، وتمكّنه من حمل عبء الرسالة الثقيل. يقول تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا
وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ