والله تعالىٰ يعطي كلاً بقدر وعائه. وكلّ ينال من رحمة الله بقدر ما يتسع له وعاؤه ، وكلما كان وعاؤه اكبر كان حظّه من رحمة الله اعظم ، يقول تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (١).
ويمكننا أن نختصر الدعاء في ثلاث كلمات :
١ ـ الفقر إلى الله.
٢ ـ وعي الفقر.
٢ ـ رفعه ونشره وبثه بين يدي الله.
والكلمة الثالثة تختلف عن الثانية والثانية تختلف عن الاولىٰ.
فإن الفقر غير وعي الفقر. فقد يكون فقيراً إلى الله تعالىٰ ، وهو غير واع لفقره إلى الله.
وقد يكون واعياً لفقره إلى الله ، ولكنه لا يحسن ان يرفع فقره إلىٰ الله وينشره ويبثه بين يديه ، ولا يحسن السؤال والطلب والدعاء من الله.
وعندما تجمتع هذه الكلمات الثلاثة يتحقق الدعاء. والفقر هنا من الناحية الفلسفية ليس فقراً في الحدوث فقط ، كما يفتقر البِناء الىٰ المهندس والبنّاء ، وإنما هو فقر في الحدوث والبقاء ، كما في حاجة المصابيح الكهربائية إلىٰ السيال الالكتروني ، فإن المصباح يضيء ما دام السيال الالكتروني متصلاً ، فإذا انقطع السيال لحظة واحدة انقطع الضوء في نفس تلك اللحظة.
وفقر الانسان الىٰ الله من هذا القبيل في الحدوث والاستمرار ، ووجود الانسان ومواهبه وحركته وحياته كلها ترتبط بالله تعالىٰ. وتفتقر إلى الله لحظة بعد لحظة ، وبصورة مستمرة ومتصلة.
__________________
(١) فاطر : ١٥.