لتروي طفلها الرضيع ، ولتلملم الماء لئلا يذهب هدراً ، فتقول للماء وهي تصنع له حوضاً يجمعه : « زم ... زم ... ».
إن هذا المشهد العجيب استنزل يومذاك رحمة الله تعالىٰ ، ففجر الله تعالىٰ زمزم في واد غير ذي زرع ، وجعلها مصدراً ومبدأً لكثير من البركات علیٰ هذه الارض المباركة.
وجعل الله تعالىٰ هذا المشهد جزءاً من أعمال الحج ، وثبته الله تعالىٰ في واحد من اشرف فرائضه.
فما هو السر الكامن في هذا المشهد ؟ ولماذا هذا الاهتمام به في أصل الدين ، وتثبيته في الحج ؟ وما هو السبب المؤثر والقوي الذي استنزل رحمة الله تعالىٰ بقوة في هذا المشهد ، وجعلها مبدأً لبركات كثيرة في تاريخ اجيال الموحدين ؟
فلابد أن يكون هذا المشهد ينطوي علىٰ سرّ خاص استدعىٰ نزول رحمة الله تعالىٰ في ذاك الوادي القفر ، واستدعىٰ دوام هذه الرحمة وثباتها ، وجعل منها مصدراً ومبدأً لكثير من البركات ، واستدعىٰ أن يثبتها الله تعالىٰ في حج اجيال الموحدين عند بيته الحرام.
إنني اعتقد ، والله تعالىٰ اعلم باسرار هذا المشهد ، أن هذا المشهد النادر كان يجمع يومئذ بين ثلاثة منازل من منازل رحمة الله تعالىٰ ، كل منها يستنزل رحمة الله.
واول هذه المنازل الحاجة التي كان يمثلها الظمأ الذي اضر بالطفل الرضيع ، والحاجة والفقر إلىٰ الله من منازل رحمة الله.
وكلّما اضر الفقر بصاحبه أكثر كان أقرب إلىٰ رحمة الله ، ولذلك نرىٰ أن الاطفال الرضع إذا اضرّ بهم ألم أو جوع أو ظمأ أو برد أو حرّ ، كانوا أقرب إلىٰ رحمة الله من الكبار الّذين يطيقون ذلك.