فحينئذ لا بد من ملاحظة حال الواسطة.
نعم لو أسند المشهور الرواية الى المعصوم طبقة عن طبقة من دون احتمال القطع والارسال ، أوجب ذلك الاطمئنان ، وحينئذ يكون حكمه حكم شهرة الكتاب.
هذه عمدة ما استدلّ به المانعون وقد عرفت فسادها.
وهناك وجه آخر يتراءى من كلمات بعضهم وحاصله : ان الرواية إذا لاحت منها علائم الصدق أخذ بها ، ويكتفى بذلك عن ملاحظة شرائط الحجية.
وجوابه ان علائم الصدق لا تخلو إما أن تكون من جهة فصاحة الكلام وبلاغته ، وإما أن تكون من جهة اشتماله على المضامين العالية التي يبعد صدورها عادة عن غير المعصوم عليهالسلام ، واما أن تكون من جهة المركّب منهما ، وإما أن تكون من جهة أخرى مثل نورانيّة كلماتهم عليهمالسلام من بين الكلمات.
وعلى كلّ تقدير ، فغاية ما يفيده الظن بالصدور ، وقد تقدم عدم حجية الظن مطلقا ، الا ما خرج بالدليل ، ولا دليل على حجية هذه الامور.
وعلى فرض التنزّل والقول بحصول الإطمئنان من جهتها ، الا أنّ أكثر الروايات الواردة في الأحكام خالية عنها ، مضافا إلى أن غاية ما تفيده هذه العلامات هو الإطمئنان بأصل الرواية لا كل جملة ، وكل كلمة ، أو حرف ، مع أن الاحكام ربّما تختلف بالزيادة والنقيصة بحرف واحد ، فمن أين يحصل الاطمئنان بأن كل هذه الحروف والكلمات صادرة عن المعصوم عليهالسلام؟
والحاصل أن هذه الأمور ما هي إلّا استحسانات غير موجبة للحجية ، فلا ينبغي صدور ذلك عن فاضل فضلا عن عالم.
فتحصل من كل ذلك أنه لا مجال للتشكيك في ضرورة الحاجة الى علم الرجال ، وان ما ذكر من الوجوه المانعة مردود.