لمحمّد بن إسماعيل الغلط في أهل الشام ، وذاك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها ، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ، ويذكره في موضع آخر باسمه ، ويتوهم أنهما اثنان. فأما مسلم فقلما يقع له الغلط. إنه كتب المقاطيع والمراسيل.
قلت : إنما قفا مسلم طريق البخاريّ ونظر في علمه ، وحذا حذوه ، ولما ورد البخاريّ نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه.
أخبرني محمّد بن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصّيرفيّ قال : سمعت أبا الحسن الدّارقطنيّ قال : لو لا البخاريّ لما ذهب مسلم ولا جاء.
أخبرني أبو بكر المنكدري ، حدثني محمّد بن عبد الله بن محمّد الحافظ ، حدثني أبو نصر أحمد بن محمّد الورّاق قال : سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون القصار يقول : سمعت مسلم بن الحجّاج ـ وجاء إلى محمّد بن إسماعيل البخاريّ فقبل بين عينيه ـ وقال : دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ـ حدثك محمّد بن سلام ، حدّثنا مخلد بن يزيد الحرّانيّ ، حدّثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم في كفارة المجلس ، فما علته؟ قال محمّد بن إسماعيل : هذا حديث مليح ، ولا أعلم في الدّنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول. حدّثنا به موسى بن إسماعيل ، حدّثنا وهيب ، حدّثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله. قال محمّد بن إسماعيل هذا أول ، فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل ، وكان مسلم أيضا يناضل عن البخاريّ حتى أوحش ما بينه وبين محمّد بن يحيى الذهليّ بسببه.
فأخبرني محمّد بن علي المقرئ ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النّيسابوريّ قال : سمعت أبا عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ يقول : لما استوطن محمّد بن إسماعيل البخاريّ نيسابور : أكثر مسلم بن الحجّاج الاختلاف إليه ، فلما وقع بين محمّد بن يحيى والبخاريّ ما وقع في مسألة اللفظ ونادى عليه ، ومنع الناس من الاختلاف إليه حتى هجر ، وخرج من نيسابور في تلك المحنة ، قطعه أكثر الناس غير مسلم ، فإنه لم يتخلف عن زيارته. فأنهي إلى محمّد بن يحيى أن مسلم بن الحجّاج على مذهبه قديما وحديثا ، وأنه عوتب على ذلك بالعراق والحجاز ولم يرجع عنه. فلما كان يوم مجلس محمّد بن يحيى قال في آخر مجلسه : ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا. فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رءوس الناس وخرج من مجلسه ، وجمع كل