عيسى ، أصحاب الساج. فصحت به فقرب إلى الشط فجلست معه وانحدر بي ، فقال : إلى أين تريد؟ فقلت : لا أدري أين أريد! فقال : ما رأيت أعجب أمرا منك. تجلس معي في مثل هذا الوقت وأنحدر بك وتقول لا أدري أين أتوجه!! فقصصت عليه قصتي ، فقال لي الملاح : لا تغتم فإني من أصحاب الساج ، وأنا أقصد بك إلى بغيتك إن شاء الله فحملني إلى مسجد معروف الكرخي الذي على دجلة في أصحاب الساج. وقال : هذا معروف الكرخي يبيت في المسجد ويصلي فيه ، تطهر للصلاة وامض إليه إلى المسجد وقص عليه حالك ، وسله أن يدعو لك. ففعلت ودخلت المسجد فإذا معروف يصلي في المحراب فسلمت وصليت ركعتين ، فلما سلم رد عليّ السلام وقال لي : من أنت رحمك الله؟ فقصصت عليه قصتي وحالي ، فسمع ذلك مني وقام يصلي ، ومطرت السماء مطرا كثيرا فاغتممت ، وقلت كيف جئت إلى هذا الموضع ومنزلي بسوق يحيى؟ وقد جاء هذا المطر وكيف أرجع إلى منزلي واشتغل قلبي بذلك. فبينا نحن كذلك إذ سمعت صوت حافر دابة ، فقلت في مثل هذا الوقت حافر دابة ، فإذا هو يريد المسجد. فنزل ودخل المسجد وسلم وجلس فسلم معروف وقال : من أنت رحمك الله؟ فقال له الرجل : أنا رسول فلان وهو يقرأ عليك السلام ويقول لك كنت نائما على وطاء وفوقي دثار فانتبهت على صورة نعمة الله عليّ ، فشكرت الله ووجهت إليك بهذا الكيس تدفعه إلى مستحقه. فقال له : ادفعه إلى هذا الرجل الهاشميّ. فقال له : إنه خمسمائة دينار ، فقال له : أعطه فكذلك طلب له. قال: فدفعها إلىّ فشددتها في وسطي وخضت الوحل والطين في الليل حتى صرت إلى منزلي وجئت إلى البقال فقلت له افتح لي بابك ، ففتح فقلت هذه خمسمائة دينار قد رزقني الله فخذ مالك عليّ وخذ ثمن ما أريد. فقال لي : دعها معك إلى غد وخذ ما تريد ، فأخذ مفاتيحه وصار إلى دكانه ودفع إلىّ عسلا وسكرا وشيرجا وأرزا وشحما وما نحتاج إليه. وقال لي : خذ ، فقلت : لا أطيق حمله ، فقال لي أنا أحمل معك ، فحمل بعضه وحملت أنا بعضه وجئت إلى منزلي والباب مفتوح ولم يكن منها نهوض لغلقه وقد كادت تتلف ـ يعني زوجته ـ فوبختني على تركي إياها على مثل صورتها ، فقلت لها هذا عسل وسكر وشيرج وجميع ما تحتاجين إليه ، فسرى عنها بعض ما كانت تجده ، ولم أعلمها بالدنانير خوفا أن تتلف فرحا ، فلما أصبحنا أريتها الدنانير وشرحت لها القصة واشتريت بها عقارا نحن نستغله ونعيش من فضله ومن غلته ، وكشف الله عنا ما كنا فيه ببركة معروف الكرخي.