يقول : اتق الله ولا ترعى أمانتك إلا من يخاف الله ، والله ما أنا بمأمون الرضى ، فكيف أكون مأمون الغضب؟! ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو أن تلي الحكم لا اخترت أن أغرق ، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك فلا أصلح لذلك. فقال له : كذبت أنت تصلح ، فقال : قد حكمت لي على نفسك كيف يحل لك أن تولى قاضيا على أمانتك وهو كذّاب.
أخبرنا الصيمري ، أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني ، حدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب ، حدّثنا عبّاس الدّوريّ قال : حدثونا عن المنصور أنه لما بنى مدينته ونزلها ، ونزل المهديّ في الجانب الشرقي ، وبنى مسجد الرصافة ، أرسل إلى أبي حنيفة ، فجيء به فعرض عليه قضاء الرصافة ، فأبى فقال له : إن لم تفعل ضربتك بالسياط ، قال : أو تفعل؟ قال : نعم ، فقعد في القضاء يومين فلم يأته أحد ، فلما كان في اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر. فقال الصّفّار : لي على هذا درهمان وأربعة دوانيق بقية ثمن تور صفر ، فقال أبو حنيفة : اتق الله وانظر فيما يقول الصّفّار. قال : ليس له عليّ شيء ، فقال أبو حنيفة للصفار : ما تقول؟ قال : استحلفه لي ، فقال أبو حنيفة للرجل : قل والله الذي لا إله إلا هو فجعل يقول ، فلما رآه أبو حنيفة معزما على أن يحلف ، قطع عليه وضرب بيده إلى كمه فحل صرة وأخرج درهمين ثقيلين ، فقال للصفار : هذان الدرهمان عوض من باقي تورك ، فنظر الصّفّار إليهما وقال نعم! فأخذ الدرهمين ، فلما كان بعد يومين اشتكى أبو حنيفة. فمرض ستة أيام ثم مات. قال أبو الفضل ـ يعني عبّاسا ـ فهذا قبره في مقام الخيزران ، إذا دخلت من باب القطّانين يسرة ، بعد قبرين ـ أو ثلاثة ـ.
وقيل : إن المنصور أقدمه بغداد لأمر آخر غير القضاء.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطيّ ، حدّثنا أبو القاسم طلحة بن محمّد بن جعفر ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة عن جده يعقوب قال : حدثني عبد الله بن الحسن قال : سمعت الواقديّ يقول : كنت بالكوفة وقد أشخص أبو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة إلى بغداد.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، حدّثنا محمّد ابن عثمان ، حدّثنا نصر بن عبد الرّحمن قال : حدّثنا الفضل بن دكين ، حدثني زفر بن الهذيل قال : كان أبو حنيفة يجهر بالكلام أيام إبراهيم جهارا شديدا فقلت له : والله ما أنت بمنته حتى توضع الحبال في أعناقنا ، قال : فلم يلبث أن جاء كتاب المنصور إلى