اعتزله فجئت وجلست معه ، فجاءه في تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة. وترك مالا وليس له وارث غيره فأمرني أن أجلس مكانه. فما هو إلا أن خرج حتى وردت عليّ مسائل لم أسمعها منه ، فكنت أجيب وأكتب جوابي فغاب شهرين. ثم قدم فعرضت عليه المسائل ـ وكانت نحوا من ستين مسألة ـ فوافقني في أربعين وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت فلم أفارقه حتى مات (١٢).
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد ، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي ، حدّثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشميّ ، حدّثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي ، حدثني أبي قال : قال أبو حنيفة : قدمت البصرة فظننت إني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه. فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب فجعلت على نفسي ألا أفارق حمّادا حتى يموت فصحبته ثماني عشرة سنة.
أخبرني الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون الضّبّيّ عن أبي العبّاس أحمد ابن محمّد بن سعيد قال : حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة ، حدّثنا محمّد بن الحسين ـ أبو بشير ـ حدّثنا إبراهيم بن سماعة ـ مولى بني ضبة ـ قال : سمعت أبا حنيفة يقول : ما صليت صلاة منذ مات حمّاد إلا استغفرت له مع والدي وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما أو علمته علما.
وأخبرنا الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا ابن مغلس ، حدّثنا هناد بن السّريّ قال : سمعت يونس بن بكير يقول : سمعت إسماعيل بن حمّاد بن أبي سليمان يقول : غاب أبي غيبة في سفر له ثم قدم فقلت له : يا أبت إلى أي شيء كنت أشوق؟ قال وأنا أرى أنه يقول إلى ابني. فقال : إلى أبي حنيفة ، ولو أمكنني ألا أرفع طرفي عنه فعلت.
أخبرني محمّد بن عبد الملك القرشيّ ، أنبأنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن الحسين الرازي ، حدّثنا علي بن أحمد الفارسيّ ، أخبرنا محمّد بن فضيل ـ هو البلخيّ العابد ـ أنبأنا أبو مطيع قال : قال أبو حنيفة : دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين فقال لي يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم؟ قال : قلت عن حمّاد عن إبراهيم عن عمر بن
__________________
(١٢) ـ انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ٦ / ٣٩٨ : «الله أعلم بصحتها».