القوم : ما ترونه ما ينام هذا الليل. قال وسمع أبو حنيفة ذلك فقال : أراني عند الناس خلاف ما أنا عند الله ، لا توسدت فراشا حتى ألقى الله. قال يحيى : كان أبو حنيفة يقوم الليل كله حتى توفي ـ أو قال حتى مات ـ.
أخبرني أبو علي عبد الرّحمن بن محمّد بن أحمد بن فضالة النّيسابوريّ الحافظ ـ بالري ـ أخبرنا أحمد بن محمّد بن الحسين المذكر ، حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الفارسيّ ، حدّثنا محمّد بن فضيل العابد ، حدّثنا أبو يحيى الحماني ، حدثني سلم بن سالم عن أبي الجويرية قال : صحبت حمّاد بن أبي سليمان ومحارب بن دثار وعلقمة ابن مرثد وعون بن عبد الله ، وصحبت أبا حنيفة فما كان في القوم رجل أحسن ليلا من أبي حنيفة. لقد صحبته أشهرا فما منها ليلة وضع فيها جنبه. قال : وحدّثنا أبو يحيى الحماني عن بعض أصحابه أن أبا حنيفة كان يصلي الفجر بوضوء العشاء ، وكان إذا أراد أن يصلي من الليل تزين حتى يسرح لحيته.
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق قال : سمعت القاضي أبا نصر. وأخبرنا الحسن ابن أبي بكر ، أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن نصر بن محمّد بن أشكاب البخاريّ قال : سمعت محمّد بن خلف بن رجاء يقول : سمعت محمّد بن سلمة عن ابن أبي معاذ عن مسعر بن كدام قال : أتيت أبا حنيفة في مسجده فرأيته يصلي الغداة ثم يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر ، ثم يجلس إلى العصر ، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب ، فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء ، فقلت في نفسي : هذا الرجل في هذا الشغل متى يتفرغ للعبادة؟ لأتعاهدنه الليلة ، قال : فتعاهدته فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد فانتصب للصلاة إلى أن طلع الفجر ، ودخل منزله ولبس ثيابه ، وخرج إلى المسجد وصلى الغداة ، فجلس للناس إلى الظهر ، ثم إلى العصر ، ثم إلى المغرب ، ثم إلى العشاء ، فقلت في نفسي : إن الرجل قد تنشط الليلة ، لا تعاهدنه الليلة ، فتعاهدته فلما هدأ الناس خرج فانتصب للصلاة ، ففعل كفعله في الليلة الأولى ، فلما أصبح خرج إلى الصّلاة وفعل كفعله في يوميه ، حتى إذا صلى العشاء قلت في نفسي إن الرجل لينشط الليلة والليلة ، لا تعاهدنه الليلة ففعل كفعله في ليلتيه ، فلما أصبح جلس كذلك ، فقلت في نفسي لألزمنه إلى أن يموت أو أموت ، قال فلازمته في مسجده. قال ابن أبي معاذ : فبلغني أن مسعرا مات في مسجد أبي حنيفة في سجوده.