فلما بلغت إلى قوله :
ألا مساعير يغضبون لها |
|
بسلة البيض والقنا الذابل |
قال : أراه يحرض علىّ ، ابعثوا إليه من يجيئني برأسه ، فكلمه الفضل بن الرّبيع فلم يغن كلامه شيئا ، فوجه الرسول إليه فوافاه اليوم الذي مات فيه ، وقد دفن فأراد نبشه وصلبه ، فكلم في ذلك فأمسك عنه.
أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي ، أخبرنا أبو الفرج الأصبهانيّ ، أخبرني عمي ، حدثني ابن أبي سعد ، حدّثنا علي بن الحسن الشّيباني ، أخبرني منصور بن جمهور قال : سألت العتّابي عن سبب غضب الرّشيد عليه فقال لي : استقبلت منصور النمري يوما من الأيام فرأيته واجما كئيبا فقلت له : ما خبرك؟ فقال : تركت امرأتي تطلق وقد عسر عليها ولادها ، وهي يدي ورجلي ، والقيّمة بأمري وأمر منزلي. فقلت له : لم لا تكتب على فرجها هارون الرّشيد؟ قال : ليكون ما ذا؟ قلت : لتلد على المكان. قال : وكيف ذلك؟ قلت : لقولك :
إن أخلف الغيث لم تخلف مخائله |
|
أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع |
فقال : يا كشحان ، والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن قولك هذا للرشيد ، فلما ولدت امرأته خبّر الرّشيد بما كان بيني وبينه ، فغضب الرّشيد لذلك ، فأمر بطلبي فاستترت عند الفضل بن الرّبيع فلم يزل يستل ما في قلبه على حتى أذن لي في الظهور فلما دخلت عليه قال لي : قد بلغني ما قلته للنمري ، فاعتذرت إليه حتى قبل ، ثم قلت له : والله يا أمير المؤمنين ما حمله على التكذب عليّ إلا ميله إلى العلوية ، فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم فعلت فقال : أنشدني فأنشدته قوله :
شاء من الناس راتع هامل |
|
يعللون النفوس بالباطل |
حتى بلغت إلى قوله :
ألا مساعير يغضبون لهم |
|
بسلة البيض والقنا الذابل |
فغضب الرّشيد من ذلك غضبا شديدا ، وقال للفضل بن الرّبيع : أحضره الساعة ، فبعث الفضل في ذلك فوجده قد توفي ، فأمر بنبشه ليحرقه فلم يزل الفضل يلطف له حتى كف عنه.