(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ) (١) (الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٢) فافهم.
فلليد الواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة والحنان (٣) كما ورد ، وللأخرى القهر والغضب ولوازمهما ، ولكلّ منهما دولة وسلطنة يظهر حكمها في السعداء القائمين بشروط العبوديّة وحقوق الربوبيّة حسب الإمكان ، وفي الأشقياء المعتدين الجائرين المنحرفين عن سنن الاعتدال الذي نبّهناك عليه ، المفرطين في حقوق الألوهة (٤) والمضيفين إلى أنفسهم ما لا يستحقّونه على الوجه الذي يتوهّمونه.
وغاية حظّهم من تلك الأحكام ما اتّصل بهم بشفاعة ظاهر الصورة الإنسانيّة المحاكية بصورة الإنسان الحقيقي الكامل ، وشفاعة نسبة الجمعيّة ، والقدر المشترك الظاهر بعموم الرحمة الظاهرة الحكم في هذه الدار ، وقد عرّفتك بأسرارها ، فتذكّر.
فلمّا جهلوا كنه الأمر ، اغترّوا وادّعوا واجترءوا وأشركوا وأخطئوا في إضافة الألوهة حقيقة إلى صورة متشخّصة لم يظهر عليها من أحكام الألوهة إلّا البعض ، فلا جرم استعدّوا بذلك لاتّصال أحكام الغضب بهم ، ولأن يكونوا هدفا لسهامها (٥) ، فالحقّ سبحانه من حيث اسميه : «الحكم» «العدل» يطالبهم بحقّ ألوهته (٦) ، ويحكم بينها (٧) وبينهم ، ويغضب لها على من بخسها حقّها ، وجار وجهل سرّها ، ولم يقدّرها قدرها.
ولو لا سبق الرحمة الغضب وغلبتها بالرحمة الذاتيّة الامتنانيّة التي هي للوجه الجامع بين اليدين ، ما تأخّرت عقوبة من شأنه ما ذكر.
هذا ، مع أنّه ما ثمّ من سلم من الجور بالكلّيّة ولو لم يكن إلّا جورنا في ضمن أبينا آدم عليهالسلام حين مخالفته ؛ فإنّا إذا لم نكن غيره فبنا أذنب وسلب ، كما أنّه (٨) ما سلب ، كما أنّه بتلقّيه الكلمات من ربّه ، وكمال جوهريّته وجمعيّته ، رجع إلى مقامه الكريم ، فلكلّ من ذلك نصيب يجني ثمرته عاجلا بالمحن والأنكاد إن اعتني به ، وآجلا بحكم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٩)
__________________
(١) ق : «يوم القيامة» لا توجد.
(٢) الزمر (٣٩) الآية ٦٧.
(٣) ه : الجنان.
(٤) ق ، ه : الألوهيّة.
(٥) في بعض النسخ : لسامها.
(٦) ق : الرهبة.
(٧) ق : بينهما.
(٨) كذا في الأصل. والظاهر زيادة «كما أنّه» وفي ق : عنه.
(٩) مريم (١٩) الآية ٧١.