وأمّا من لم يعتن (١) به ، فشأنه كما أخبرنا ، فافهم.
وإلى عموم الجور والظلم أشار الحقّ سبحانه بقوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) (٢) ولكن استواء الرحمة العامّة من حيث الاسم «الرحمن» على العرش المحيط بصور العالم ، وشفاعة الصورة وأحديّة الفعل ، من حيث الأصل والفاعل منع من ذلك ، فتأخّرت سلطنة «الحكم العدل» إلى يوم القيامة الذي هو يوم الكشف ويوم الفصل والقضاء الظاهر الشامل.
فهناك يظهر الأمر تماما للجمهور ، ولهذا قال سبحانه : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وهو يوم المجازاة ، والسرّ في ذلك العالم (٣) هو أنّه لو ظهرت سلطنة «الحكم العدل» هنا ، ما جار أحد على أحد ، ولا تجاسر على ظلمه ، ولا افترى على الله وعلى عباده ، ولكان الناس أمّة واحدة ، ولم تكمل إذا مرتبة القبضتين ، ولا ظهر سرّ المجازاة الواقعة بين الغضب والرحمة ، والأسماء والصفات اللازمة لهما ، ولا كان حلم ولا عفو ولا صبر ولا تبديل سيّئة بحسنة ولا غير ذلك ، فأين إذا (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (٤) أي ممنوعا؟ فالرحمة العامة تستلزم العطاء الشامل كلّ شيء ، لا جرم وقع الأمر هكذا ، فحقّت الكلمة ، وحلّت (٥) النقمة ، وظهر حكم الغضب ، ثم غلبت الرحمة ، فافهم.
ثم لتعلم أنّ حكم الغضب الظاهر على الكمّل هو من هذا القبيل ، إنّما يظهر بسبب التقصير في أداء حقوق الألوهة وحصرها في صورة معيّنة بإضافة تنافي حيطتها وسعتها ، فهم ينتصرون لها ببعض مظاهرها العادلة المعتدلة ، من مظاهرها المنحرفة المخدجة بسوء قبولها حسن اعتدال الألوهة ولطائف كمالاتها ، لا أنّهم يغضبون لأنفسهم من حيث هم عبيد ، كما ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه كان لا يغضب لنفسه ، وإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء.
ومطلق غضبهم في الحقيقة هو ما قلنا من قبل عبارة عن تعيّن غضب الحقّ فيهم من كونهم مجاليه ومجالي أسمائه وصفاته ، لا أنّهم يغضبون كغضب الجمهور وقد شهدت
__________________
(١) ه : يعتني.
(٢) فاطر (٣٥) الآية ٤٥.
(٣) ق ، ه : العام.
(٤) الإسراء (١٧) الآية ٢٠.
(٥) ق : حكمت ، ه : حكمة.