الحزم فساد أصل كلّي ، أو فساد الأمر الأصلي المراد لعينه ، والمراد ما سواه لأجله ، فوجب رعاية الأصلح ، وترجيح الأهمّ ، وبهذا قام الوجود ، وانتظم أمر كلّ موجود ، وتفصيل هذا السرّ يطول ، وفي هذا الإلماع كفاية للألبّاء وغنية.
وأمّا سرّ الأمر من جهة المغضوب عليه فهو على أنواع ثلاثة : تطهير ووقاية ، وتكميل.
أمّا الوقاية فكصاحب الآكلة ـ نسأل الله العفو والعافية منها ومن كلّ داء ـ إذا ظهرت في عضو أحد وقدّر أن يكون الطبيب والده أو صديقه أو شقيقة ، فإنّه مع فرط محبّته فيه يبادر لقطع العضو المعتلّ ؛ لما لم يكن فيه قابليّة الصلاح أو المعالجة ، فتراه يباشر الإيذاء الظاهر وهو شريك المتأذّي بذلك الأذى ، ولا مندوحة ؛ لتعذّر الجمع بين جلب العافية وترك القطع ؛ لما لم يساعد استعداد العضو على ذلك ، فافهم.
وتذكّر : «ما تردّدت في شيء تردّدي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا (١) أكره مساءته (٢) ولا بدّ له من ذلك» والوالد يظهر الغضب لولده رعاية لمصلحته (٣) وهو في ذاته غير غاضب ، وإنّما يظهر بصفة الغضب بحيث يظنّ الولد أنّه متّصف بالغضب حقيقة وليس كذلك ، وإنّما موجب (٤) ظنّه في أبيه ما يشاهده من الأثر الدالّ على الغضب عادة ، والأمر بخلافه في نفس الأمر ، وإنّما ذلك لقصور نظر الولد ، ولعدم استقلاله بالمصالح دون تعليم وزجر وتأديب وتقويم ، فلو وفي استعداده بالتحقّق بالكمال المطلوب للوالد (٥) ، ما ظهر ما ظهر ، ولا ظنّ ما ظنّ ، بل علم مراد أبيه ممّا ظهر به من حكم الغضب ، مع عروه عنه.
وأمّا الأمر من حيث التطهير فمثاله : لو أنّ ذهبا مزج برصاص ونحاس وغيرهما لمصلحة لا يمكن حصولها إلّا بالمجموع كما هو مجرّب في بعض الطلسمات الروحانيّة المشترط (٦) فيها مجموع المعادن ، بحيث لو نقص شيء منها لم يحصل المقصود ، ثم إنّه إذا فرضنا انقضاء الوقت المراد لأجله ذلك الجمع وحصل المطلوب أو انتهت مدة حكمه وقصد تمييز الذهب ممّا مازجه من غير جنسه ، لا بدّ وأن يجعل في النار الشديدة ، لينفرد
__________________
(١) ق : لا توجد.
(٢) ق : مساته.
(٣) ه : لمصلحة.
(٤) ق : يوجب.
(٥) ق : للولد.
(٦) ق : المشروط.