الواحد الغير بأنه جاهل قوي القلب شجاع. قيل له : إن ما وضع للنقص من الأوصاف نحو قولنا ، جاهل وعاجز وما شاكلها ، لا تختلف فائدته ، ولا تتغير حاله لا بالانضمام ولا عدم الانضمام ، بل يفيد النقص بكل حال سواء ضم إلى غيره أو لم يضم ، وليس كذلك سبيل ما ليس بمدح ولا نقص ، فإن ذلك مما لا يمتنع أن يصير مدحا بغيره على ما ذكرناه.
فإن قيل : فجوزوا أن يصير قولنا أسود مدحا ، بأن ينضم إليه قولنا عالم ، ومعلوم أن ذلك لا يصير مدحا لما لم يكن مدحا في نفسه ، فإذا لم يجز أن يصير مدحا ، فكذلك لا يجوز في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] أن يصير مدحا بأن ينضم إليه قوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) قيل له : إنا لم نقل : إن ما ليس بمدح إذا انضم إلى ما هو مدح صار مدحا على كل حال ، بل قلنا : إن ما ليس بمدح إذا انضم إلى ما هو مدح وحصل بمجموعهما البينونة صار مدحا ، ولم تحصل البينونة بانضمام قولنا أسود إلى قولنا عالم ، بخلاف مسألتنا ، لأنه حصل هاهنا بينونة على الوجه الذي ذكرناه.
فإن قيل : وما وجه البينونة؟ قلنا وجه البينونة هو أنه يرى ولا يرى.
فإن قيل : هلا جاز أن تكون جهة التمدح هو كونه قادرا على أن يمنعنا من رؤيته؟ قلنا : هذا تأويل بخلاف تأويل سائر المفسرين ، وما هذا سبيله من التأويلات يكون فاسدا. وبعد ، فإن هذا حمل خطاب الله تعالى على غير ما تقتضيه حقيقة اللغة ومجازها ، فلا يجوز.
يبين ذلك ، أن أحدنا إذا قال : فلان لا يرى ، فإنه لا يقتضي كونه قادرا على أن يمنع من رؤيته ، لا في حقيقة اللغة ولا في مجازها ، فكيف يصح ما ذكر.
فإن قيل : ولم قلتم إن هذا المدح يرجع إلى الذات؟
قلنا : لأن المدح على قسمين ، أحدهما : يرجع إلى الذات والآخر ، يرجع إلى الفعل. وما يرجع إلى الذات فعلى قسمين ، أحدهما : يرجع إلى الإثبات ، نحو قولنا قادر عالم حي سميع بصير ، والثاني : يرجع إلى النفي ، وذلك نحو قولنا لا يحتاج ولا يتحرك ولا يسكن. وأما ما يرجع إلى الفعل فعلى ضربين أيضا ، أحدهما : يرجع إلى الإثبات ، نحو قولنا رازق ومحسن ومتفضل والثاني : يرجع إلى النفي ، وذلك نحو قولنا لا يظلم ولا يكذب.