وبعد ، فإن أحدنا قد يريد وجود الحلاوة واللون في محل فيحصل أحدهما ولا يحصل الآخر ، ولو جاز أن يقال إن أحدهما تمن لجاز مثله في الآخر ، إذ لا يمكن الفصل بينهما.
ومما يلزمهم على القول بأنه تعالى مريد لسائر المرادات ، قدم العالم ، لأنه تعالى إذا كان مريدا لذاته صح أن يريد وجود العالم فيما لم يزل ، وإذا صح أن يريده وجب أن يريده ، وإذا وجب أن يريده وجب حصوله لا محالة ، فيلزم قدم العالم ويقدح في حدوثه.
إلا أن الأولى أن يقال : يلزمهم أن يكون الله تعالى قد خلق العالم قبل الوقت الذي خلقه ، وقبل ذلك ، وقبله ، فيكون أحسم للأشياء ، فإن حدوث العالم فيما لم يزل مستحيل ، فلا يصح وجوده.
ومما يلزمهم ، وجود الضدين ، لأن الضدين يصح أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما ، وإذا صح أن يكون مرادا لنا صح أن يكون مرادا لله تعالى لأنه مريد لذاته ، وإذا صح وجب ، وإذا وجب ، وجب حصول الضدين.
فإن قيل : أليس أنه تعالى عالم لذاته ثم لا يجب أن يكون عالما بوجود الضدين ، فهلا جاز أن يكون مريدا لذاته ولا يجب أن يكون مريدا للضدين.
والجواب عن ذلك ، أن بين الوضعين فرقا ، لأن وجود الضدين في محل واحد يستحيل أن يكون معلوما لعالم واحد ولعالمين ، وليس كذلك في الإرادة ، لأن الضدين مما يصح أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما على ما مر.
فإن قيل : إرادة حدوث الشيء تتبع العلم به ، والعلم بوجود الضدين مستحيل فلا يجب أن يكون مريدا لهما.
والأصل في الجواب ، أن الضدين يصح أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما ، لأن إرادة الشيء تابع لصحة حدوثه ، وصحة الحدوث ثابتة في كل واحد من الضدين ، فصح أن يعلم الله تعالى ذلك من حال كل واحد منهما ، وإذا صح ذلك صح أن يريدهما ، وإذا صح وجب لأن صفة الذات إذا صحت وجبت ، فيجب حصولها كما ألزمنا.