ومتى قلتم : إن على هذا يجب أن يكون القديم تعالى عالما بوجود الضدين وذلك محال ، قلنا : إن مذهبكم في الإرادة يقتضي ذلك ويؤدي إليه ، فاتركوه كي لا يقتضيه فلا يلزمكم.
وأحد ما يلزمهم على القول بأنه تعالى مريد لذاته ، أن يكون مريدا لسائر القبائح ، فكان يجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص وذلك فاسد.
فإن قيل : وما تعنون بالنقص؟ قلنا : التفرقة التي يجدها الواحد منا من نفسه إذا رجع إليها بين أن يريد القبيح وبين أن لا يريده بل يريد الواجب.
فإن قيل : إن هذا إنما يجب في الشاهد لأن أحدنا يستحق هذه الصفة لمعنى هو الإرادة ، والقديم تعالى يستحقها لذاته فلا يجب ذلك فيه.
قلنا : الصفة إذا كانت من صفات النقص لم يختلف الحال بين أن تكون مستحقة للذات وبين أن تكون مستحقة لمعنى ، ألا ترى أن كونه جاهلا لما كانت من صفات النقص ، لم يختلف الحال بين أن تكون مستحقة للذات أو مستحقة لمعنى ، كذلك هاهنا.
فإن قيل : قولكم إنه تعالى إذا كان مريدا لذاته يجب أن يكون مريدا للضدين مما يصح ، لأنه يعلم أن وجود الضدين في محل واحد دفعة واحدة مستحيل ، وإنما يعلم أين أحدهما دون الآخر ، فما المعلوم من حاله أنه يقع فهو مراد ، وما المعلوم من حاله أنه لا يقع فهو متمنّى ، والقديم تعالى إذا كان مريدا لذاته لا يجب أن يكون متمنيا.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أنه لا فرق بين ما المعلوم من حاله أنه يقع وبين ما المعلوم من حاله أنه لا يقع في صحة الإرادة ، ولهذا فإن أحدنا قد يريد الضدين إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما ، مع أن المعلوم وقوعه من ذلك أحدهما دون الآخر ، وكذلك فقد يريد الحلاوة والسواد في محل واحد ، بحيث لا يفصل بين إرادتيهما ثم يقع أحدهما دون الآخر ، ففسد ما ظنوه.
وبعد ، فلو كان كذلك لوجب أن لا يكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مريدا لإيمان أبي لهب ، وإنما يكون متمنيا لأنه قد علم بإخبار الله تعالى إياه أنه لا يؤمن ، وقد اتفقت الأمة على خلاف ذلك.
وبعد ، فإن التمني من أقسام الكلام ، والمرجع به إلى قول القائل ليت كان كذا