إذ لو كان قبيحا لم يفعله الله تعالى ، وبهذا الوجه نحل شبهة العامي من أصحابنا ، ونجيبهم بهذه الطريقة ، ونقول له : إن هذا القدر كافيك ، ولست تحتاج إلى أن تعلم وجه الحسن في ذلك على طريقة التفصيل ، فهذه طريقة الجملة.
وطريقة التفصيل ، هو أن نقول : قد ثبت حسن تكليف المؤمن ، ولا وجه لحسنه إلا أنه تعالى أقدره على ما كلفه وقوى دواعيه إليه وأزاح علله فيه ، وهذا كله في حق الكافر ثابت ثباته في حق المؤمن ، ولا فرق بينهما إلا من حيث أن المؤمن أحسن الاختيار لنفسه واستعمل عقله فآمن ، ولم يحسن الكافر الاختيار لنفسه لشقاوته فلم يؤمن ، وذلك لا يخرج القديم تعالى من أن يكون متفضلا عليهما جميعا.
وصار الحال في ذلك كالحال في من أدلى حبله إلى غريقين ليتشبثا به ، فتشبث أحدهما به وتخلص ، ولم يتشبث به الآخر فعطب ، وكالحال في من قدم الطعام إلى جائعين قد استولى عليهما الجوع وأشرفا على الهلاك لمكانه ، ثم تناول أحدهما من الطعام فلم يمت ، ولم يتناول الآخر فمات وهلك. فكما أن المقدم للطعام والمدلي للحبل يكون منعما عليهما على سواء ، ولا يقال إنه إنما يكون منعا على الذي قبل دون من لم يقبل ، كذلك هاهنا.
فإن قيل : المؤمن اختار الإيمان ، وهذا غير ثابت في الكافر قلنا : إن اختيار المؤمن الإيمان متأخر عن التكليف فكيف يصير وجها في حسنه ، مع أن المعلوم أن وجه الحسن لا بد من أن يقارن.
وعلى أن ذلك لو مدح في حسن التكليف لوجب مثله في الشاهد ، حتى لا يحسن من أحدنا أن يقدم الطعام إلى من لا يقبل ، ومعلوم خلافه.
فإن قيل : ما أنكرتم أنه إنما قبح تكليف الكافر لأنه تعالى عالم من حاله أنه يكفر؟ وجوابنا على ذلك لو قبح من الله تعالى تكليف الكافر للعلم بأنه يكفر ، لوجب أن يقبح من الواحد منا تقديم الطعام إلى الغير للعلم بأنه لا يتناول ولا ينتفع به ، وكذلك يجب أن يقبح إدلاء الحبل إلى الغريق للعلم بأنه لا يتشبث به.
فإن قال : وكذا أقول ، قلنا : لو قبح مع العلم لقبح مع غلبة الظن ، لأن العلم والظن سيان فيما طريقه المنافع والمضار ، ألا ترى أن أحدنا لو غلب على ظنه أنه يربح في سفره فإنه يحسن منه ذلك السفر كما يحسن مع العلم.
وبالعكس من هذا ، لو غلب على ظنه أنه يخسر ، فإنه لا يحسن منه أن يسافر كما