الشرائع يقتضي أن يصير الحق باطلا والباطل حقا إن النسخ لم يتناول عين ما كان حقا حتى يجب انقلاب الحق باطلا والباطل حقا ، وإنما يتناول مثل ما كان حقا ، ولا يمتنع في المثلين أن يكون أحدهما حقا والآخر باطلا ، فإن دخول الدار قد يكون حقا حسنا بأن يكون عن إذن صاحب الدار ، وقد يكون باطلا قبيحا بأن يكون لا عن إذن ، مع أن الدخولين مثلان.
بل يمكن ذلك في الفعل ، فإن الدخلة الواحدة يجوز أن تقع فتكون حسنة بأن تكون عن إذن ، وتقع فتكون قبيحة بأن لا تكون عن إذن.
وكذلك فإن السجدتين مع أنهما مثلان ، ربما تكون إحداهما حسنة بأن تكون سجدة للرحمن ، والأخرى بأن تكون سجدة للشيطان.
بل يمكن تصوير ما قلناه في السجدة الواحدة ، فإنها إذا قصد بها عبادة الرحمن كانت حسنة ، وإن قصد بها عبادة الشيطان كانت قبيحة.
ثم يقال لهم : أليس كان لا يلزمنا اعتقاد نبوة موسى عليهالسلام قبل أن يبعث ، ثم لزمنا ذلك بعد البعثة ، ولم يقتض أن يكون الحق قد صار باطلا والباطل قد صار حقا ، فهلا جاز مثله في مسألتنا.
فإن قالوا : إن أحد الاعتقادين غير الآخر ، وأكثر ما فيه أنهما مثلان ، والمثلان لا يمتنع أن يكون أحدهما حسنا والآخر قبيحا. قلنا : فهلا قنعتم بمثله في مسألتنا.
وإن قالوا : إن هذا ليس من النسخ في شيء فلا تصح لكم هذه المعارضة. قلنا : إنه وإن كان لا يسمى نسخا ، إلا أن معناه معنى النسخ ، فقد لزمنا اعتقاد لدلالة ما كان يلزمنا ذلك الاعتقاد لو لا تلك الدلالة ، وهذه صورة النسخ من طريق المعنى والمعتبر إنما هو بالمعنى لا بالتسمية.
وعلى نحو هذه الطريقة يجري الكلام مع الذين أنكروا النسخ لاقتضائه البدء.
غير أنا نورد فصلا نبين فيه الفصل بين النسخ والبدء وما يختص به كل واحد من الشروط والأوصاف ، إن شاء الله وبه الثقة.
ويقال لهم أيضا : ما قولكم في شريعة موسى ، هل نسخت ما قبلها من الشرائع أم لا؟ فإن قالوا : لا ، بل لم يأت موسى إلا بما كان قد أتى به الأنبياء قبله ـ وهو مذهب بعضهم ـ قلنا : كيف يمكنكم ذلك وقد علمتم أن آدم عليهالسلام زوج بناته من