بنيه وقد حظره موسى ، وكذلك بعدها اختتن إبراهيم عليهالسلام في الكبر وأوجبه موسى في الصغر ، وجاز الجمع بين أختين في شرع يعقوب ولم يجوز في شرع موسى. وعلى أن فيما ذكرتموه ما يقتضي ألا تضيفوا هذه الشريعة إلى موسى ولا تنسبوها إليه ، وفي ذلك خروج عن اليهودية ، والمعلوم من حالكم أنكم تضيفون هذا الشرع إلى موسى عليهالسلام ، وتقولون : لا يجوز أن تكون نسبته إلى موسى كنسبته إلى يوشع.
فإن قالوا : نعم ، قد أتى موسى بنسخ شرائع من قبله من الأنبياء ، ولا بد لهم من ذلك ـ وهو مذهب جماعة منهم ـ قلنا : فهلا اقتضى انقلاب الحق باطلا والباطل حقا ، وهلا اقتضى أن يكون قد بدا لله وظهر له من حال تلك الشرائع ما كان خافيا عليه تعالى الله عن ذلك.
وأما الكلام على الفرقة الثانية ، الذين قالوا إن نسخ الشريعة جائز من جهة العقل غير أن السمع منع منه ، وهو قول موسى : «شريعتي لا تنسخ أبدا» فهو أن نطالبهم بتصحيح هذا الخبر عن موسى عليهالسلام ، ولا يجدون إلى ذلك سبيلا. ومتى قالوا : إن هذا من الأخبار المتواترة فلا معنى لإنكاره ، قلنا : لو كان كذلك لعرفناه نحن على طوال اختلاطنا بكم ومناظرتنا إياكم ، ونحن لا نعرفه ، فكيف يمكنكم ادعاء التواتر فيها.
وقد أنكره العنانية من أصحابكم ، وقالوا : إن نسخ الشريعة جائز من جهتي العقل والشرع ، وأن من جاء بعد موسى من الأنبياء فإنما أنكرنا نبوتهم لما عدموا الأعلام المعجزة لا غير ، ولو كان متواترا لعلموه.
ثم يقال لهم : لا يخلو حال هذا الخبر من أحد وجهين ، فإما إن يكون المراد به أن شريعتي لا تنسخ على يدي من معه معجز ، أو على يدي من لا معجز معه. فإن أردتم به أن شريعتي لا تنسخ على يدي من لا معجز معه فإنا نوافقكم ، وإن أردتم به أنها لا تنسخ على يدي من معه معجز ، فإن ذلك مما لا يجوز أن يكون قد أراده موسى عليهالسلام ، لأن ذلك مما لا يجوز أن يكون قد أراده موسى عليهالسلام ، لأن ذلك يقدح في نبوته ، ويكون لأمته أن يقولوا : فلم وجب اعتقاد نبوتك والانقياد لك ، وقد جوزنا أن يكون هاهنا صاحب معجزة ، لا يلزمنا متابعته والاعتقاد لنبوته والانقياد له.
وإذا كان الأمر بهذه الصفة فلا وجه للأخذ بظاهر الخبر لو ثبت صحته ، سيما وقد ثبتت نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم بالأدلة القاطعة فيجب أن يتأول ، لأن كلام الأنبياء لا يجوز