أن يتناقض.
وتأويله ، هو أن شريعتي لا تنسخ على يدي من لا معجز معه ، وعلى أن يوشع كان نبيا في زمن موسى عليهالسلام وبقي بعده ، وقد نسخ شريعته بشريعة موسى ، ولا يمكن ادعاء أنه لم يكن معه شريعة أصلا ، وإلا كان لا يثبت في بعثته والحال هذه فائدة ، فقد ذكرنا أن البعثة إنما تجب إذا علم الله أن صلاحنا تتعلق بشريعة لا نعرفها نحن ، فيبعث الرسول ليعرفنا ، فأما إذا عريت عن هذه الفائدة ، فإنها تكون عبثا.
وبعد ، فإن هذا الخبر ليس هو من كلام موسى ، فإن المعلوم أنه كان لا يتكلم بلغة العرب وإنما كان يتكلم باللغة العبرانية ، فلا يمكن الاحتجاج بظاهره ، سيما ومن المجوز أن يكون المترجم قد أخل بقرينة كانت معه ، فلم يفسرها.
ومتى قالوا : إن المترجم والناقل ما يألو جهدا في ترجمة كلام الأنبياء ، قلنا : إن حسن الظن به يمنعنا من تجويز ما جوزناه ، فلا يستقيم لكم الاحتجاج بلفظ الخبر بوجه من الوجوه.
فإن قالوا : لو أمكن أن يقال في كلام موسى عليهالسلام «شريعتي لا تنسخ» ما ذكرتموه ، ليمكن أيضا مثله في قول نبيكم محمد «لا نبي بعدي» فما الفصل بيننا وبينكم في ذلك؟ قلنا : أول ما في هذا أنه لا يمكن إنكار أن هذا من كلام محمد صلىاللهعليهوسلم بخلاف ما أوردتموه. على أنا لم ندع أنه خاتم الأنبياء لمكان هذا الخبر ، فإنا نعلم من دينه ضرورة أنه آخر الرسل وخاتم الأنبياء ، ولهذا شاركتمونا في العلم بذلك مع إنكاركم نبوته ، وشككم في صدقه.
ومتى قالوا : وكذلك نحن نعلم من دين موسى ضرورة أنه خاتم الأنبياء ، قلنا : إن هذا مما لا سبيل لكم إليه ، فلو كان كذلك لشاركناكم في العلم به على طول مخالطتنا لكم ومناظرتنا إياكم ، ونحن لا نعلم ذلك من دين موسى ضرورة ، فكيف يصح لكم ذلك ، ومعلوم أن يوشع كان نبيا بعده كما كان نبيا في زمانه ، وأيضا فقد بشر عليهالسلام بمجيء كثير من الأنبياء بعده ، فكيف يقال : إن المعلوم من دينه ضرورة أنه لا نبي بعده.
فإن قالوا : هب أنكم علمتم من دين نبيكم ضرورة أنه آخر الرسل فبأي طريق علم ذلك نبيكم ، فلا بد لكم أن ترجعوا إلى مثل ما احتججنا به عليكم. قلنا : إنما علم ذلك نبينا عليهالسلام بالاضطرار إلى قصد جبريل ومتى سألوا عن ذلك في جبريل عليه