أصحابه. فإن أراد به الأول ، فالفرق بينه وبين الإمامية هو من الوجه الذي ذكرته ، ولأجل ذلك لا يجب في الإمام أن يكون معصوما وأوجبت الإمامية ذلك ، وإن أراد الثاني ، فالفرق بينه وبين الإمامية ظاهر ، لأنهم يقولون إن الإمام لطف في الدين كمعرفة الله بتوحيده وعدله وغير ذلك من الألطاف ، وهو لا يقول به.
والذي يدل على فساد مقالتهم ، هو أنه لو كان العلم بوجوب وجود الإمام عقليا ، لكان لا بد من أن تكون الحاجة إلى الإمام أيضا في العقليات ، ومعلوم أن الإمام إنما يحتاج إليه لتنفيذ الأحكام الشرعية ، فكيف يصح أن تعلم الحاجة إليه عقلا.
فإن قيل : هلا جاز أن يحتاج إلى الإمام في العقليات؟ قلنا : إنه لو احتيج إليه في ذلك لكان لا تخلو الحاجة إليه من أن تكون لمنافع دينية أو دنياوية.
ولم يجز أن تكون الحاجة إليه للمنافع الدنياوية ، كأن يقال يحتاج إليه لتعرف من جهته الأغذية من السمومات وما يضر مما ينفع ، فإن ذلك مما يمكن معرفته بالسير والأخبار ، ولذلك يشترك في معرفته العقلاء وغير العقلاء من البهائم ونحوها ، ولأن ذلك يمكن أن يعرف من واحد فلا يحتاج إلى غيره فيقدح في حاجة الناس إلى الإمام في سائر الأزمان.
وإذا قيل بالحاجة إليه للمنافع الدينية فلا يخلو : إما أن يحتاج إليه في التكاليف العقلية أو السمعية ، فإن احتيج إليه في التكاليف العقلية لم يجز وإلا احتاج الإمام إلى إمام آخر ، والكلام في ذلك الإمام كالكلام فيه فيتسلسل ، ولأنه لا يحتاج في شيء من التكاليف العقلية إلا إلى الأقدار والتمكين وإزاحة العلة بالألطاف ، ولا تأثير للإمام في شيء من ذلك بل حاله وحال غيره في هذه الأمور على سواء.
فإن قيل : ما أنكرتم أن له مزية على غيره من حيث يتعلق بوجوده لطف للمكلف. قلنا : إذا قيل بوجوده لطف للمكلفين وصلاحهم ، فإن المراد أن يؤدي عليهم عن الله تعالى ما فيه صلاحهم أو يقوم بمصالحهم ، وأي ذلك من هذين الأمرين فلاحظ للإمام فيه.
وبعد ، فلا يكون ذلك كذلك إلا والطريق إليه الشرع وفي ذلك ما نقوله.
فإن قيل : إن وجود الإمام لطف من وجه آخر ، وهو أن الناس يطيعون الله تعالى ويتجنبون المعاصي انقيادا لأمره واتباعا له وانخراطا في سلك طاعته ، قلنا : إن ذلك مما لا نعلمه من حال جميع الناس ، بل في الآدميين من إذا ولي عليه غيره كان ذلك