داعيا إلى الفساد ، وعلى هذا فإن أبا جهل لما بعث إليه النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان قد بلغ في العناد وترك الاستسلام والانقياد كل مبلغ ولم يطع كغيره وكذا الحال في غيره من الكفرة.
وبعد ، فهذا الكلام يوجب على قائله وجود الأئمة الكثيرة ، فإن هذا الغرض لا يندفع بإمام واحد والناس في العالم مفترقون ، بل الواجب أن ينصب في كل محلة إمام ، ليكون أهل تلك المحلة إلى الطاعة أقرب ، انقيادا له وطاعة لرضاه ، وفي ذلك الفساد ما لا يخفى على أحد.
فصل
اعلم أنا قد قدمنا الكلام في طريق الإمامة واختلاف الأقوال فيها ، غير أنا نعيده هاهنا على نوع من الاختصار ، ونضم إليه ما يشذ ويسقط ، فنقول :
إن الزيدية اتفقوا على أن الطريق إلى إمامة علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهمالسلام النص الخفي ، وأن الطريق إلى إمامة الباقين الدعوة والخروج. ثم اختلفوا في أنه هل يجب تفسيق من أنكر النص على هؤلاء الثلاثة؟ فقال بعضهم : يجب تفسيقه وهم الجارودية ، وقال آخرون لا يجب وهم الصالحية.
وأما الإمامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة الاثني عشر النص الجلي الذي يكفر من أنكره ، ويجب تكفيره ، فكفروا لذلك صحابة النبي عليهالسلام.
وقد وافقتهم البكرية والكرامية في أن طريق الإمامة إنما هو النص ، غير أنهم ذهبوا إلى أن المنصوص عليه بعد النبي عليهالسلام أبو بكر ، وإليه ذهب الحسن البصري.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦] فيقولون : إنه ورد في أبي بكر ، فهو أول من دعا إلى أهل الردة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك مما لا يسلم لهم أن المراد به أبو بكر ، بل الصحيح أنه في عليّ عليهالسلام ودعائه إلى قتال من قاتلهم من القاسطين والمارقين والناكثين.
ومتى قيل : إن الآية تقتضي إمامة من دعا إلى قتال الكفرة وعليّ لم يدع إلا إلى قتال أهل القبلة من أهل البغي ، قلنا : ليس في قوله تعالى : (أَوْ يُسْلِمُونَ ما ظننتموه).