وربما يستدلون بتقديم النبي صلىاللهعليهوسلم إياه في الصلاة ، وذلك أيضا فمن البعيد ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قدم كثيرا من الصحابة للصلاة ولم يدل على إمامتهم. وبعد ، فإن الإمامة في الصلاة بمعزل عن القيام بالإمامة الكبرى والقيام بأمر الأمة ، ولهذا يصلح لأحدهما العبد دون الآخر ، فكيف قاسوا أحد الأمرين على الآخر ، وما وجه الشبه بينهما.
وأما المعتزلة ، فقد ذهبت إلى أن طريق الإمامة العقد والاختيار ، ورامت تصحيح ذلك بوجوه تقدم بعضها وهذا باقيها :
قالوا : طريق الإمام بالاتفاق إما العقد والاختيار ، أو النص ، وقد بطل النص فلم يبق إلا العقد والاختيار.
قالوا : والذي يدل على أنه لا نص ، هو أنه لو كان كذلك لكان لا يخلو : إما أن يكون نصا جليا أو خفيا. لا يجوز أن يكون نصا جليا ، لأنه لو كان كذلك لكان يجب أن يكون الراد كافرا لرده ما هو معلوم ضرورة من دين النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي ذلك تكفير الصحابة على فحش القول به ، ولكان لا يجوز أن يخفى الحال فيه لأن هذا هو الواجب فيما علم ضرورة ، لو لا ذلك وإلا كان يجوز أن يكون الله تعالى قد تعبدنا بصلاة سادسة وبحج إلى غير بيته الحرام إلا أنه خفي على الناس أمره ولم يظهر ، وذلك شنع بمرة. فبطل النص الجلي.
وأما النص الخفي فإنه كان يجب أن لا يذهب الصحابة بأسرهم عن الغرض به ، فقد كانوا في غاية المعرفة بالمقاصد وما يجري هذا المجرى ، وفي علمنا بأنهم لم يعرفوا هناك نصا ولا أقروا به دليل على أنه لم يكن له أصل ، وبعد ، فلو كان هناك نص لأورده المنصوص عليه واستدل به على إمامته ، والمعلوم أنه لم يورده ولم يحتج به وفي ذلك دلالة على أن ذلك لم يكن. والجواب أنكم ألزمتم الإمامية ما يلتزموه فلا معنى له.
وأما النص الخفي على ما نقوله فإنه ليس يجب أن يعرفه كل أحد ، فإن ذلك إنما يجب فيما العلم به ضروري ، ولسنا ندعي أن الصحابة اضطرت إلى قصد النبي بذلك.
فإن قالوا : فلم ذهبوا عن الغرض به ولم يعرفه أحد؟ قلنا : لأنهم لم ينظروا فيه أو حملوه على وجه آخر غير الإمامة ، وعلى أنا لا نسلم أن الصحابة بأسرهم ذهبوا عن الغرض به ، فمعلوم أن أصحاب علي عليهالسلام كانوا يعرفون ذلك ، وكذلك فكان عليّ يدعيه ويعتقده ، فكيف صح لهم ما قالوه؟