وقد دخل في الجواب عن قولهم : لو كان هناك نص لاحتج به المنصوص عليه تحت هذه الجملة. وقد سأل قاضي القضاة نفسه حين دل على أنه لا نص ، بأنه لو كان لأظهره المنصوص عليه واستدل على إمامته وفي علمنا بأنه لم يفعل دليل على أنه لم يكن ، وقال : ما أنكرتم أنه لم يورده ولم يتمسك به في تثبيت إمامته لعلمه أو لغلبة ظنه أنهم لا يصغون إليه ولا ينظرون فيه؟ وأجاب عن ذلك : بأن هذا مما لا يمكن ، مع أن حال الصحابة في الاستسلام للحق والانقياد له والرجوع إليه بحيث لا يخفى على أحد ، وعلى هذا فالمعلوم أن عليا لما أنكر على عمر إقامة الحد على الحامل ، فقال : هب أن لك عليها سلطانا فما سلطانك على ما في بطنها ، أصغى إليه فرجع إلى قوله ، وقال : لو لا علي لهلك عمر. وكذا فقد روي أنه رجع في بعض الحوادث إلى قول معاذ لما بين له أن الحق في قوله ، وقال : لو لا معاذ لهلك عمر. وهكذا فقد روي أنه على محله في القلوب ومكانه فيها ومنزلته في العلم ، ترك قوله لقول امرأة أنكرت عليه بعض الحوادث ، وقال : كلكم أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت ، إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يلتبس الحال فيها. فلو كان مع المنصوص عليه نص ، لكان من سبيله أن يورده عليهم ويحتج به عندهم ، سيما وقد عرف من حالهم أنهم يرجعون إلى قول كل أحد إذا تبين لهم الحق في جنبته ، فلما لم يظهره ولا احتج علم أنه لم يكن أصلا.
وقد جرى في كلامنا ما هو جواب عن هذا ، فقد ذكرنا أن عليا أورد النصوص وأظهر الاستدلال بها ، فكيف يمكن ادعاء أنه لم يظهر ذلك ، وحديث الشورى يشتمل على نيف وسبعين دلالة وفضيلة أوردها علي بن أبي طالب مستدلا ببعضها على إمامته ، وببعضها على فضله على الصحابة ، وهذا واضح عند من أنصف.
وربما قالوا : إن الصحابة وإن اختلفوا في المختار لم يختلفوا في الاختيار وهذا دعوى منهم ، فمن خالف في إمامة أبي بكر لم يعتقد الاختيار طريقا للإمامة.
وربما يؤكدون كلامهم المتقدم بقول العباس بن عبد المطلب لعلي بن أبي طالب عليهالسلام : امدد يدك أبايعك ، وقول علي : لو كان عمي حمزة وأخي جعفر حيين لفعلت ، وباحتجاج عليّ على طلحة والزبير بالبيعة وقوله لهما : بايعتماني ثم نكثتماني ، ويقولون : إن هذا كله ينافي النص ويؤذن أصحابهم بأن طريق الإمامة عند علي وغيره العقد والاختيار على الحد الذي نقوله وقريب من هذا احتجاجهم بدخول عليّ عليهالسلام تحت الشورى ، فقد ذكرنا أن الوجه فيه أنه كان لا يصل إلى حقه إلا بالدخول