المرجع به إلى إرادة مخصوصة وحالها ما ذكرناه.
فإن قيل : وما الندم ومن أي جنس هو قلنا : إنه أمر معقول يجده كل أحد من نفسه.
فإن قيل : كيف يوجد من النفس مع أن الناس مختلفون فيه وفي جنسه ، وقال بعضهم : هو من قبيل الاعتقادات وهو الذي قال شيخكم أبو هاشم ، وقال الآخرون : بل هو جنس برأسه وهو الذي اختاره شيخكم أبو علي.
قيل له : إن الأمر في اختلاف الناس في الندم على ما ذكرته ، غير أن ذلك لا يمنع من أن يكون معلوما بالاضطرار موجودا من النفس ، فمعلوم أن العلم قد يوجد من النفس في بعض الحالات ، مع أن العقلاء اختلفوا في جنسه ، حتى ظن أبو الهذيل أنه جنس برأسه غير الاعتقاد ، وكذلك فاللون مع أنه مدرك لحاسة العين قد اختلف فيه ، فقال بعضهم : إنه جسم رقيق ، وظن آخرون أنه صفة الجسم ، وهكذا فالظن يعلم ضرورة ثم إن الناس اختلفوا فيه : فمنهم من ظنه من قبيل الاعتقاد ، ومنهم من أثبته جنسا برأسه. وعلى الأحوال كلها فإن اختلاف الناس في الندم مما لا يقدح في كونه معلوما بالاضطرار على الجملة.
فإن قيل : فما قولكم في الندم أهو جنس برأسه على ما قاله أبو علي أم الصحيح ما قاله أبو هاشم من أنه من قبيل الاعتقادات؟ قلنا : بل الصحيح ما قاله أبو هاشم ، والذي يدل على صحته هو أنه لو كان أمرا آخر سوى الاعتقاد لكان لا يمتنع انفصال أحدهما عن الآخر ، فكان يصح أن يعتقد الواحد منا استضراره بالفعل المتقدم مع التأسف على ذلك ثم لا يكون نادما ، أو يكون نادما ولا يكون معتقدا هذا الاعتقاد ، فإن هذه الطريقة هي الواجبة في كل أمرين لا علاقة بينهما في وجه معقول ، ومعلوم خلافه.
فإن قيل : كيف يصح قولكم إن الشرط في صحة التوبة أن يعزم على أن لا يعود إلى أمثال ما أتى به من القبيح ، مع أن العزم لا يتعلق بأن لا يعود إلى أمثاله في القبح ، فإنه نفي والعزم إرادة والإرادة لا تتعلق بالنفي؟ قيل له : إن المراد بذلك أن يعزم على ترك أمثاله في القبح ، والترك فعل يصح تعلق العزم به.
فإن قيل : هلا كفى في صحة التوبة أن يندم على القبيح لقبحه ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في الصورة لا في القبح؟ قيل له : لأنه لو كان كذلك لكان لا يصح